09 أكتوبر 2025

تسجيل

إدارة الأزمات انهيار أم نجاة

24 مارس 2020

◄ أولاً: المقدمة لقد اصبحت الأزمات بأشكالها المختلفة، جزءاً أساسياً من نسيج الحياة وواقعها ومظهراً من مظاهرها. وهي في الغالب أزمات فردية، تلم بفرد أو مؤسسة أو شركة دون سواها، ولا تتسم بصبغة جماعية وشاملة. إلا أنها في حالات نادرة، قد تصيب وتهدد وطناً بأكمله، كالأزمة الأخيرة الناجمة عن فرض الحصار الاقتصادي الجائر على دولة قطر. أما الأزمات الكونية الشاملة والعابرة للقارات والحدود فهي اكثر ندرة وأعمق اثراً، وقد تقضي على كيانات ودول اذا لم تكن مؤسسات قيادة تلك الدول قادرة على إدارة الأزمة. وتقدم أزمة انتشار وباء الكورونا مثالاً لتك الأزمات. لذا فإننا نعاود الكتابة مرة أخرى في إدارة الأزمات. ونهدف في هذه المقالة الى تسليط الضوء على نظام مهم من أنظمة الإدارة والقيادة الرشيدة، الهادف الى مواجهة الأزمات الشاملة والوطنية وإدارتها، لما فيه خير الكيان أو الدولة التي تصيبها، وتحجيم الأضرار واغتنام الفرص الناجمة عنها. كما نهدف الى التعريف بأهم مبادىْ إدارة الأزمات. حيث سنعرض لمفهوم الأزمة الوطنية، وعناصرها، والتعريف بإدارة الأزمات وأدواتها. ◄ ثانياً: تعريف الأزمة الوطنية تعرف الأزمة الوطنية بشكل عام، على أنها بروز تهديدات مباشرة، ومخاطر مفاجئة غير متوقعة ضاغطة وداهمة ومستمرة، تهدد النظام العام ( الأمن العام، السكينة العامة، والصحة العامة) أو تهدد المصالح والممتلكات والقيم. والأزمات الوطنية تكون أزمة عامة شاملة تضرب إقليماً بكامله أو العالم بأسره. والأزمة قد تكون كارثة طبيعية أوأزمة سياسية، اجتماعية، اقتصادية أو صحية. ◄ ثالثاً: عناصر الأزمة بناءً على التعريف السابق، فان الأزمة الوطنية كغيرها من الأزمات تشمل العناصر التالية: المفاجأة، التهديد، الاستمرارية وضغط الزمن. وبالتالي فان أية مخاطر لا تشمل أيا من العناصر المذكورة لا تعتبر أزمة، بل مخاطر عادية تختلف باختلاف شدتها وآثارها. ❶ المفاجأة: أهم ما يميز الأزمة عن المخاطر الأخرى هو عنصر المفاجأة. حيث تتسم الأزمة في حدوث تطور حاد مناوئ وغير متوقع. ❷ التهديد: يعتبر التهديد الشديد للنظام العام وللمصالح والممتلكات والقيم من النتائج المباشرة لأية أزمة وطنية. وتمثل أزمة انتشار وباء الكورونا مثالاً صارخاً للأزمات الوطنية والعالمية. التي قد ينتج عنها خسائر فادحة غير متوقعة. ❸ الاستمرارية وضغط الزمن: من السمات المميزة للأزمة استمرار وديمومة التهديد والمخاطر لفترة زمنية، وضغط الزمن من جهة أخرى. مما يتطلب اتخاذ اجراءات علاجية تهدف للحد من تفاقم الأزمة، في وقت قد تكون فيه الأطراف المعنية غير مستعدة أو غير قادرة على التصرف. ◄ رابعاً: إدارة الأزمات أما إدارة الأزمات فهي: عملية احتواء وإدارة المخاطر المفاجئة، لحماية النظام العام والمصالح والممتلكات والقيم من تلك المخاطر. وكيفية مواجهة المخاطر والمواقف المفاجئة، التي لم يخطط لها، والحد من تفاقمها وسرعة السيطرة عليها. فإدارة الأزمات علم وفن بآن واحد، فهوعلم يعتمد على مجموعة من المبادئ والقوانين والنظم والنظريات، وأساليب التحليل والتخطيط. وهو فن يعتمد على الموهبة الشخصية، والكفاءة الادارية، والمهارات الفردية والجماعية، لتحديد وتقدير وفهم التعامل مع المواقف الخطرة، والقدرة على اتخاذ المواقف في ظل الظروف العصيبة، لاستنباط طرق ووسائل الحلول والمخارج للأزمة. وهنا لابد من التفريق بين إدارة الأزمات وإدارة المخاطر أو الحالات والمواقف الطارئة.. فإدارة المخاطر تعني التنبؤ وتقدير المخاطر المحتملة، وابتكار أفضل الطرق لتجنب وقوع هذه المخاطر، والتخطيط لمواجهتها والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة ان وقعت. أما إدارة الحالات الطارئة غير المتوقعة والأزمات، مثل أزمة الكورونا والسيطرة عليها، فهو جهد علاجي وعمل تنظيمي قيادي وتنسيقي لتبادل المعلومات والاتصالات بين وحدات القيادة لاجهزة الأمن القومي، والأمن الغذائي، والجيش والشرطة وجهاز الصحة العامة وطواقم الاسعاف والدفاع المدني ومؤسسات المجتمع المدني التطوعية واجهزة الاتصالات والاعلام للتعامل مع المخاطر المفاجئة غير المتوقعة بعد ظهورها وللحيلولة دون تفاقمها والسعي لاحتوائها وللخروج منها بأقل الخسائر الممكنة أيضاً. لذا فان إدارة الأزمات تعتبر اختباراً صعباً للإدارة والقيادة، وتظهر المهارات القيادية الحقيقية، والقدرة على التصرف بسرعة وجدارة، والقدرة على تدوير الزوايا الحادة للأزمة، لايجاد حلول جذرية للمشاكل الناجمة عن تلك الأزمات. أما على أرض الواقع، فقد اختبرت القيادية القطرية سابقا. في هذا المجال، وذلك أبان الأزمة الأخيرة الناجمة عن فرض الحصار الاقتصادي على دولة قطر. والذي قدمت فيه دولة قطر، نموذجاً يقتدى به للإدارة الرشيدة، وإدارة الأزمات الوطنية، حيث أظهرت حكومة دولة قطر، مستوى غير مسبوق من الحكمة والتعقل والانضباط والصبر والايمان، وعدم التعامل برد الفعل أو بالمثل..هذا مما يؤهل القيادة القطرية للنجاح في مواجهة أزمة الكورونا متقدمة بذلك على الآخرين في الإقليم. حيث تم تشكيل هيئة (لجنة) عليا وفعالة لإدارة الأزمات برئاسة معالي رئيس مجلس الوزراء وذلك لضمان التزام جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات. تلك الهيئة التي باشرت في وضع وتنفيذ خطط واجراءات احترازية وقائية وعلاجية بان واحد. وذلك بالتزامن مع اعتماد الحكومة رزم انعاش طارئ للشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية والانتاجية والخدمية. كما يسجل لدولة قطر السبق في ايجاد نظام اتصالات جيد وفعال. تجنب الانعزال وانكار الأزمة، أو كبتها، بل اعتمد الافصاح عنها واحتوائها، حيث اعتمدت خططاً تهدف للسيطرة على تلك الأزمة والحيلولة دون تفاقمها. كما يضاف الى فرص النجاح في إدارة الأزمة الراهنة والنجاة من براثنها عنصر اخر وهو حالة الالتفاف الحماهيري من المواطنين والمقيمين التي شهدتها أزمة الحصار الجائر، وتلك التي تجسدت في الأزمة الراهنة باقدام آلاف المتطوعين من المواطنين والمقيمين للتسجيل في قوائم التطوع منذ اللحظات الأولى لفتح باب التسجيل. على الرغم من قساوة الأزمات، إلا أنها تحصن الكيان او الدولة التي تضربها اذا ما كانت هيئة إدارة الأزمة مؤهلة وترفع من مناعتها تجاه أزمات جديدة. ذلك اذا ما تم التعامل مع الأزمة بمهنية وفاعلية. حيث تتطلب إدارة الأزمات مهارات قيادية حقيقية، تتسم بالأمانة والجرأة والالتزام والقدرة على التصرف بمهنية وجدارة لاحتواء الأزمة والابحار في خضمها الى بر الأمان، كما ورد في القرآن الكريم "اِنَّ خَيرَ مَنِ استَئْجَرْت الْقَوِى الأَمِينُ" (القصص 26). واننا على ثقة بجدارة القيادة القطرية بقيادة سمو الأمير للابحار بسفينة السلامة الى بر الأمان. ومن الجدير بالذكر، ان أهم صفتين يجب التحلي بهما لدى مواجهة الأزمات هما الايمان والصبر. الايمان بأن الفرج قريب مهما ازدادت الصعاب والعقبات، كما في قوله تعالى "فاِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا، اِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا" (الشرح 5، 6). والصبر على تحمل الشدائد في سبيل حماية الدولة ونظامها العام والمجتمع بأسره. وهي من السمات التي عرفت بها القيادة القطرية خاصة في أزمة الحصار الجائر، فمهما كانت شدة الأزمة، لا بد أن تنفرج، كما ورد في قصيدة المنفرجة لابن النحوي التوزري "اشتدي أزمةً تنفرجي"، وان أشد مراحل الليل سواداً تلك التي تسبق الفجر. ولن يتبق من الأزمة الا الدروس والعبر، التي يجب أن نتقن تعلمها لنتقي تكرار الأزمات مستقبلاً. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ". ‏[email protected]