11 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا يجني الإعلام من تغطية الأعمال الإرهابية؟

24 مارس 2018

في مقال سابق تكلمنا عن ماذا يجني الإرهابيون من تغطية الإعلام لأنشطتهم وجرائمهم. وفي هذا المقال نلقي الضوء على ما تناله وسائل الإعلام من تغطيتها للأعمال الإرهابية. تقوم المؤسسات الإعلامية بتغطية الأعمال الإرهابية إيمانا منها بمبدأ حق الجمهور في المعرفة وتحقيق أهداف تدخل في صميم الصناعة الإعلامية التي تقوم على تحقيق الغايات السياسية والأيديولوجية ومبدأ المنافسة والربح. ومن أهم هذه الأهداف تحقيق السمعة والأرباح والانفراد بالتفوق والتميز، زيادة المبيعات أو عدد المشاهدين وبذلك زيادة الإعلانات وارتفاع أسعار الإعلانات، تقديم واجب وخدمة للجمهور وضمان الحق في المعرفة (The right to know)، السرعة والمنافسة. فالإرهابيون هم الإعلام، هم الإثارة والغرابة والعنف والجرائم كانت دائما من القيم الإخبارية المحبذة لوسائل الإعلام. من جهة أخرى يفضل الجمهور أخبار العنف والجرائم والإثارة. فالإثارة تقضي على الروتين والملل عند الجمهور والبديل العنف والجريمة والجنس. كما يتعاطف الجمهور مع الإرهابيين للانتقام من السلطة. من جهة أخرى تلائم الأعمال الإرهابية وتنسجم مع خصوصية التلفزيون التي تتمثل في الحركة والإثارة والتشويق. بالنسبة للعديد من وسائل الإعلام وخاصة تلك التي تركز على السبق الصحفي والإثارة وعلى بيع الغرابة والعنف والجريمة، فإن الإرهاب يعتبر مادة دسمة مربحة تساعد المؤسسة على زيادة المبيعات وعدد المشاهدين، وجني أرباح طائلة في فترة وجيزة جدا. مع ظهور "الإسلاموفوبيا" أصبحت وسائل الإعلام تتفنن في إيجاد علاقة وطيدة ما بين الإسلام والإرهاب وما بين كل من يخرج عن طاعة أمريكا والغرب والإرهاب. والغريب في الأمر أن المهتمين من الصحافيين والمختصين في شؤون الإسلام والشرق الأوسط والعرب لا يفرقون بين أمور كثيرة ويمزجون بين الدول والأمم ومختلف المذاهب والاتجاهات في الديانات والثقافات والحضارات المختلفة خاصة الحضارة العربية الإسلامية. وانطلاقا من الصور النمطية والأفكار المسبقة والمشوهة تقوم وسائل الإعلام بتقديم أخبار ملونة، الهدف منها النيل من العرب والمسلمين وربط الإرهاب بالإسلام وما حدث في العديد من العواصم الغربية على سبيل المثال يؤكد الانحياز المنهجي والمنظم والمتعمد ضد العرب والمسلمين. الإعلام في مواجهة التطرف والإرهاب  وقد أفرزت ظاهرة الإرهاب في الأوساط الإعلامية والعلمية والفكرية والأكاديمية تناقضات خطيرة من أهمها الكيل بمكيالين وربط الإرهاب بالإسلام والعرب والمسلمين ما جعل البعض ينظر لصراع الحضارات والديانات، ورأى البعض الآخر أن هناك خطرا قادما من الشرق لا يؤمن بالحوار ولا يؤمن بالآخر. أطروحات الإسلام الراديكالي أو المسلح و"الفاشية الإسلامية" و"صراع الحضارات" زادت من تلويث العقول والأفكار وزرعت ثقافة الخوف والحقد والكراهية في عقول الشعوب. هذا ما جعل البعض يتهم الصحافة ووسائل الإعلام بصفة عامة بالفشل الكبير في تغطية الإرهاب بطريقة مسئولة بعيدة عن الابتزاز والاستغلال وبعيدة عن الإثارة وفكرة زيادة المبيعات وعدد المشاهدين وبذلك زيادة مساحة أسعار الإعلانات. بالنسبة لمعظم وسائل الإعلام الغربية وخاصة تلك التي تركز على الإثارة وعلى بيع الغرابة والعنف والجريمة فإن الإرهاب يعتبر مادة دسمة مربحة تساعد المؤسسة على زيادة المبيعات وجني أرباح طائلة، مما جعل بعض وسائل الإعلام تستغل الإرهاب لترسيخ صور نمطية معينة وتعمل على تأكيد تفوق الحضارة الغربية وتخلف باقي الحضارات. ويبقى الصراع قائما وبصفة دائمة بين الغرب والشرق والشمال والجنوب، ومع الأسف الشديد نلاحظ في الكثير من الأحيان انحياز وسائل الإعلام للقوى النافذة والفاعلة في العالم وليس للحقيقة، الأمر الذي جعل موضوع الإرهاب يتسم بكثير من الغموض والالتباس تضعه الكثير من وسائل الإعلام في "إطار" معين ينسجم مع أجندتها وسياستها التحريرية. أما بالنسبة للاستراتيجية الإعلامية، فإنها يجب أن تقوم أساسا على الدور المحوري الذي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لمحاربة الإرهاب فكريا وأيديولوجيا وسيكولوجيا. فالإرهاب هو فكر وإدراك واقتناع قبل كل شيء. ومن هنا يجب على وسائل الإعلام أن تحارب الإرهاب في أذهان وقناعات ومعتقدات البشر وتبتعد عن التهويل والإثارة والتضخيم والاستغلال والتلاعب. أما استراتيجية الإصلاح الشامل لمحاربة الإرهاب فتشمل الإصلاح السياسي والذي يتمثل أساسا في الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء والتناوب على السلطة واحترام الحريات الفردية وحرية التعبير وحرية الصحافة والمشاركة السياسية والمساهمة في صناعة القرار. كما تشمل استراتيجية الإصلاح الشامل كذلك الإصلاح الاقتصادي والاستغلال الرشيد للثروات الوطنية لخدمة التنمية المستدامة ولتوفير سبل العيش الكريم والشريف للمواطن والقضاء على الفقر والتهميش والتباين الكبير بين المراكز الحضرية والأرياف. وهذا يعني كذلك الاستثمار في العلم واقتصاد المعرفة وتطوير الإنسان في مختلف المجالات. الخاتمة: من خلال ما تقدم تتجلى لنا عدة تساؤلات وإشكاليات منهجية يصعب تحديد إطارها والإجابة عنها بشكل دقيق، وذلك نظرا لطبيعة العمل والدور الوظيفي الذي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام الجماهيري في خدمة المجتمع عند تعاطيها مع الإرهاب، وكذلك طبيعة التشريعات والقوانين وأخلاقيات العمل الإعلامي المعمول بها: ما هي يا ترى العلاقة، وإن كانت هناك علاقة، بين وسائل الإعلام والإرهاب ولماذا يركز الإرهابيون دائما على استغلال وسائل الإعلام للوصول للرأي العام المحلي والدولي؟ كيف يجب أن تتعامل وسائل الإعلام مع هذه الظاهرة؟ التغطية أم التعتيم وهنا نواجه مشكلا أخلاقيا عويصا ومعقدا، هل تخدم وسائل الإعلام الرأي العام بتغطيتها للأعمال الإرهابية أم أنها تخدم الإرهابيين؟ وهل التغطية تفيد الرأي العام في شيء ؟ كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تحدد متى يجب تغطية حادث أو واقعة ومتى يجب تجاهلها؟ وإذا تقرر تغطية الخبر كيف يجب أن يعالج وبأي طريقة وما هي الجوانب التي يجب التركيز عليها والجوانب التي يجب تجاهلها؟ متى يجب على الصحافة ووسائل الإعلام الالتزام بكتمان معلومات وأخبار إذا تسربت ونشرت قد تؤدي إلى انعكاسات وخيمة؟ أسئلة تبقى دائما مطروحة ومن الصعب الإجابة عليها نظرا لصعوبة التعاطي مع الإرهاب إعلاميا. ومن هذا المنطلق فإن تعامل وسائل الإعلام مع الإرهاب كان ومازال دائما محل نقد بسبب إشكالية الابتزاز والاستغلال من جهة وإشكالية توظيف القضايا الإرهابية من قبل بعض المؤسسات الإعلامية بهدف زيادة المبيعات والانتشار وتحقيق الربح. فالإرهاب في القرن الحادي والعشرين أصبح أداة من أدوات السياسة والعلاقات الدولية، بل أصبح جزءا لا يتجزأ من السياسة فارضا نفسه على الرأي العام من خلال التغطية الإعلامية التي يحصل عليها والتي تفتح له الأبواب ليصبح مثل الفاعلين السياسيين الآخرين محليا ودوليا. فوسائل الإعلام بتغطيتها للأعمال الإرهابية تعطي الشرعية للإرهابيين وتجعلهم لاعبين سياسيين مثلهم مثل الأحزاب السياسية وجماعات الضغط والمجتمع المدني. فالعلاقة بين الإعلام والإرهاب تبقى دائما علاقة شائكة، معقدة وحساسة تخضع لعدة اعتبارات معظمها غير أخلاقي يقوم على الابتزاز والاستغلال للوصول للرأي العام من جهة، ولتحقيق الربح والشهرة من جهة أخرى.