13 سبتمبر 2025
تسجيليجب أن نتذكر جملة حقائق هي معالم لا يجوز لمثقف يتعاطى مع قضايا المنطقة أو يمارس توجيها للرأي العام حولها أن يجهلها أو ينساها.. ومن ذلك: 1- الدور الوظيفي الذي وجدت (إسرائيل) لتقوم به في المنطقة هو المزيد والتأكيد من التقسيم الداخلي.. نصت على ذلك وثيقة رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل بنرمان المسماة تاريخيا بـ"وثيقة كامبل" 1907 التي تقول إن البحر الأبيض المتوسط مجال حيوي للغرب ولكن المشكلة هي في جنوبه الذي توجد فيه أمة - يقصد العرب - يجمعها لسان ودين وتاريخ واحد.. فأوصت الوثيقة بفصل القسم الآسيوي عن الإفريقي وزرع كيان غريب إشكالي تفصل المنطقة إلى الأبد جعل بقاء هذا الكيان مصلحة استراتيجية غربية.2- مشروع "أودي بينون" الموظف في الخارجية الصهيونية وهو يدعو للتقسيم الطائفي في المنطقة، ثم طوره المستشرق الصهيوني اليهودي البريطاني - الأمريكي "برنارد لويس" وتبناه الكونجرس الأمريكي في 1983 وهو يقوم على تحويل العالم العربي إلى كانتونات طائفية ومذهبية وعرقية لا يمكن إعادة تدميج وحدتها لينسي الصراع مع (إسرائيل) التي يجب أن تستثمر ذلك ببناء علاقات داخل هذا التقسيم.3- بعد هزائم العدو أمام الأمة وبالأخص منذ 2000 مرورا بأفشاله في حروب غزة.. بدأ التفكير الاستراتيجي الصهيوني يتجه إلى إنزال التقسيم الطائفي لوقائع على الأرض فصارت المؤتمرات الصهيونية لا تخلو منه كقضية أساسية محورية وطرح الرؤى والفرص والتحديات في هذا المجال. 4- (مؤتمر الأمن القومي الإسرائيلي) في هرتزيليا هو أحد أهم المؤتمرات الاستراتيجية الصهيونية ويعقد سنويا بمشاركة مستويات عالية من السياسيين والأكاديميين الإسرائيليين والغربيين الذين يدرسون البيئة الاستراتيجية في المنطقة وتحدياتها وفرصها لدولة الاحتلال.. وفي دورته الثالثة عشرة التي عقدت في 2013 أكد هذا المؤتمر على ضرورة تكريس الصراع السني الشيعي. 5- الصحافة (الإسرائيلية) داخل الكيان وخارجه من تحليلات وأخبار ومقالات كتاب الأعمدة الرئيسية في تلك الصحافة بدأوا منذ 2013 يستخدمون تعبيرات الطائفية والمذهبية ويركزون على تفسير كل خلافات المنطقة على هذا الأساس وألا تظل هذه النظرية حديث نخبة.. لذلك صار القادة والزعماء الصهاينة وأعوانهم في المنطقة يتحدثون بها وصار مصطلح "حرب السوشي" هي العنوان وكلمة سر لهذا التناول.6- بالنظر لمستجدات الحالة العربية والإسلامية وبالأخص بعد الثورات العربية فإن العراق ثم سوريا ثم اليمن هي أبرز مواضع تركيز هذه الحرب الطائفية.. والحقيقة أنه رغم مسؤولية إيران عن إثارتها ابتداء فإنه ليس ممكنا حصر المسؤولية فيها وإبراء المحور السني منها.7- ما تتوخاه (إسرائيل) والغرب من هذه الفتنة الطائفية أساسا جملة أهداف كلها استراتيجية وغاية في الخطورة أهمها خمسة: * شرعنة وجود الكيان الصهيوني ليصبح دينا بين أديان وطائفة بين طوائف. * تلهية المنطقة عن صراعها مع هذا العدو وتنصيب عداوات بديلة.* تفكيك جبهة المقاومة وضرب مشروعها.* إيجاد قاعدة سياسية وفكرية تبريرية للتعاون والتطبيع بين الكيانات المستجدة والكيانات المتضررة ومشروع الاحتلال.* تصدير رسالة مغلوطة عن ثقافة المنطقة ودينها وواقعها بما يؤثر سلبا على وجاهة الحضارة الإسلامية وقدرتها على عبور الحدود السياسية مستقبلا. 8- بقي أن نتساءل: هل ما يريده العدو من هذا التقسيم والتصعيد الطائفي هو ضربة لازم لا فكاك منها خاصة أن الخلافات المذهبية والطائفية قد تحولت لحرب صفرية ووجودية؟ والجواب بالقطع.. لا؛ ليست ضربة لازم لا فكاك منها..بدليل: * أن هذه الخلافات والتناقضات حتى التكفيري منها كانت موجودة منذ القرون الأولى من خيرية هذه الأمة، وتصعّدها أحيانا لم يكن إلا بقصد مقصود ترافقه غفلة المخلصين أو تصدر الخائنين لمشهد قيادة الأمة.* وأن كل الشعوب لديها تناقضات دينية وتكفيرية ومذهبية وإثنية لكنها استطاعت أن تتوحد..مثال ذلك أوروبا وأمريكا والهند..أما نحن فمصيبتنا في القيادات الجهوية الانحيازية والمهزومة والخائنة من زعماء سياسيين ومن إعلاميين ومن أحزاب وجدت لهذه الغاية وفي سياقها يدفعونها فتندفع ويأمرونها فتأتمر.آخر القول: الطائفية عدوان لا يقل خطورة وضررا عن عدوان الاحتلال الأجنبي وعن الغزو الفكري، وعلى كل من يتصدى للإصلاح والتغيير أن يسد من جهته هذا الثغر.