02 أكتوبر 2025

تسجيل

الالتزام المسؤول يحقق التقدم (1)

24 مارس 2013

ما إن هبطت قدماي أرض سنغافورة، إلا وشعرت بأنني في بلد مختلف عن البلدان الأخرى. لقد زرت بفضل الله بلدانا عديدة في الشرق والغرب، ولكل دولة ما يميزها، إلا أن سنغافورة لم يسمح لي وقتي المزدحم بالقراءة عنها قبل وصولي، وكان قدر الله لي أن أتعرف عليها بأم عيني. أن أعرفها مباشرة دون وسيط معرفي أو حتى من خلال أفراد أو مؤسسات. لا تغريني كثيرا المباني شاهقة الارتفاع، بالرغم من أن سنغافورة مليئة بها، وإنما يغريني في البلدان التي أرغب في زيارتها، حسن الاستقبال والذي يبدأ عند قرار السفر من توفر خيارات عديدة من وسائل المواصلات للوصول إليها، وحسن الاستقبال عند قرار إصدار التأشيرة، ولا يتطلب الأمر أن يقف المرء في غرفة انتظار يتكدس فيها الناس، للحصول على تأشيرة دخول، كالذي يحدث عند رغبة السفر إلى أوروبا وأمريكا، ولن أنسى ذلك الطلب الغريب، حينما قررت أن أحصل على تأشيرة للذهاب إلى ألمانيا، بأنه طلب مني أن أقدم صورة شخصية حاسرا للرأس، وألا أبتسم حتى لا تختلف معالم وجهي، وسلسلة عديدة من طلبات غريبة، وكأنني أتقدم لخطبة امرأة فارهة الجمال يتنافس عليها العديد من الرجال، وبعدها فورا قررت أن أتوقف عن الذهاب إلى تلك البلدان إلا مضطرا. الأمر الآخر في اختياري للدول، هو تمتعها بالأمان الذي غاب للأسف عن الكثير من بلاد العالم، وفي تلك الدول المرشحة لزيارتي يجب أن تكون أبواب المعرفة لها مكان وحظوة عند صناع القرار فيها، وأخيرا يجب أن أشعر بأن سكان تلك البلاد التي سأزورها يحصلون على حقوقهم كاملة غير منقوصة. ما إن وصلت إلى منطقتي التي أقيم فيها في سنغافورة، وهي منطقة راقية اسمها "أورجييد" ORCHARD، وهي قلب المدينة المحاطة بأكبر المجمعات التجارية، حيث وجدت فيها آلاف البشر من أصول مختلفة. الجميع يسير بانسيابية وجلهم من فئة الشباب من الجنسين، وتبدو على ملامحهم السعادة، وعلى حياتهم الاستقرار النفسي والاقتصادي. وفور وصولي إلى الفندق، حتى سارعت إلى صديقي الأمين، جهازي الحاسوبي لأقرأ عن هذا البلد العجيب، لأستطيع أن أخطط لباقي أيام إقامتي، وكانت البداية مع تقرير أعدته شبكة الجزيرة تقول فيه: " في التاسع من أغسطس عام 1965، حيث تم إعلان سنغافورة دولة مستقلة، وفي اليوم التالي تم نشر أن "سنغافورة كدولة مستقلة لم تكن من الأمور القابلة للتحقق منذ ثلاث سنوات، والوضع الحالي لا يبشر بتغيير". جريدة سدني مورننغ هيرالد، العدد الصادر بتاريخ 10 أغسطس 1965. سنغافورة جزيرة صغيرة بلا موارد طبيعية على الإطلاق، هي البلد الأصغر مساحة في جنوب شرق آسيا، حصلت سنغافورة على استقلالها عام 1965. وجاء حينها رئيس الوزراء الأول بعد الاستقلال لي كوان يو ليواجه العديد من المشاكل كالبطالة وأزمة السكن والفساد الإداري والركود الاقتصادي، هذا إضافة إلى أن شعب سنغافورة هو مجموعة غير متجانسة ترجع أصولها إلى الصين والهند والجزر المالاوية وغيرها. اليوم سنغافورة خامس أغنى دولة في العالم من حيث احتياطي العملة الصعبة الذي وصل إلى أكثر من 170 مليار دولار، وهي أيضا أكثر البلدان استقرارا سياسيا في آسيا طبقا للكتاب السنوي للتنافسية العالمية. كيف تحولت جزيرة مليئة بالمشاكل والتناقضات خلال أربعين سنة إلى ما هي عليه الآن؟ كيف تمكنت هذه المستعمرة البريطانية السابقة من الانتقال من تصنيف العالم الثالث إلى العالم الأول خلال جيل واحد فقط؟ سنتعرف في الحلقتين القادمتين من سلسلة مقالاتي الأسبوعية بإذن الله، على سر تفوق سنغافورة، وكيف أن التزام الأطراف ذوي العلاقة، وأصحاب المصالح يحقق التقدم غير المسبوق. يتبع...........