18 سبتمبر 2025

تسجيل

السودان.. مأزق الصحفيين أم مأزق الحكومة؟

24 مارس 2012

يبدو أن معركة كسر العظم قد اشتعل أوارها بين الاتحاد العام للصحفيين السودانيين والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية.. السجل الصحفي هو محور الصراع بين الاثنين، بيد أن عملية تنظيم تسجيل الصحفيين ومنحهم السجل الصحفي (رخصة ممارسة المهنة) هي من سلطة الاتحاد الذي آلت إليه مع صدور قانون الصحافة والمطبوعات الحالي الصادر في العام 2009م بعد سنين عدد وطول اغتراب ظل خلالها السجل الصحفي (معتقلا) لدى المجلس الذي هو هيئة حكومية يتم تعيين رئيسه وأمينه العام وعدد من أعضائه بقرار جمهوري يصدره رئيس الجمهورية.. هناك اتفاق على تعديل قانون الصحافة الحالي وتنعقد لجنة مشتركة بين الاتحاد والمجلس والبرلمان لتقديم مقترحات التعديل، إلا أن كل طرف يريد تقديم التعديلات التي تروق له وتخدم معركته ضد الطرف الآخر.. المجلس يريد تعديلات تفضي إلى نزع السجل من الاتحاد، بينما يريد الاتحاد تعديلات تمنع جهاز الأمن من مصادرة وإغلاق الصحف استنادا إلى أن قانون الصحافة والمطبوعات هو المرجعية الوحيدة التي تنظم عمل الصحافة.. في تطور مفاجئ أعلن اتحاد الصحفيين انسحابه من اللجنة متهما المجلس بتضمين مقترح سحب السجل الصحفي من الاتحاد من وراء ظهره (مستغفلا) أعضاء اللجنة من البرلمان وأصدر الاتحاد بيانا (ناريا) عقب اجتماع عقده المكتب التنفيذي جاء فيه أن الاتحاد يؤكد تأييده التام لموقف قيادة وأعضاء الاتحاد في لجنة صياغة قانون الصحافة بالبرلمان بالانسحاب من أعمال اللجنة طالما أن المشاركة تعرض حقوق الصحفيين ومكتسبات اتحادهم للهدر.. وجدد الاتحاد ما اعتبره موقفا ثابتا ومبدأ مناهضا لإغلاق ومصادرة الصحف وتشريد الصحفيين وتعريض حقوقهم للضياع.. وطالب الاتحاد وزارة العدل بعدم التراجع عن المنشور الصادر في العام 2002م بمركز قضايا النشر في مرحلتي النيابة والمحاكمة وأعلن مناهضته توسعة نيابات ومحاكم الصحافة بالولايات، معتبرا ذلك بمثابة سيف مسلط على الحرية الصحفية كما طالب بأن تكون قضايا النشر قضايا مدنية وليست ذات طابع جنائي. الكثيرون يرون أن من واجب المجلس معالجة الاختلالات التي تمسك بتلابيب واقع الصحافة السودانية بدلا عن التنازع مع الاتحاد في حق أصيل باعتباره اتحادا مهنيا ويسري عليه ما يسري على الاتحادات المهنية الأخرى وكذلك نظرائه في الدول المجاورة.. يشار إلى أن الاتحاد الدولي للصحفيين قد يسحب اعترافه باتحاد الصحفيين السودانيين في حال انتصار الحكومة ممثلة في المجلس القومي للصحافة في معركة نزع السجل من الاتحاد.. ليس بالضرورة أن يمهد مجرد استكمال الاجراءات القانونية والشروط المهنية الطريق لإصدار صحيفة أو مجلة فالأمر ليس هكذا؛ فكرة أو رغبة جامحة تُسيطر على شخص أو مجموعة أشخاص ويقررون بين ليلة وضحاها إصدار صحيفة يدفعهم حماس ضاري.. فالصحافة أصبحت صناعة مكلفة وتحديا تشفق من حمله الجبال.. لأن الشعب السوداني شعب مثقف وقارئ نهم فإن أغلب الصحف تقوم وتتأسس على الرغبة الجامحة والتشجيع المعنوي أكثر من كونها تقوم على أسس اقتصادية متينة تضمن استمراريتها وعدم توقفها أو تدهور خدمتها الصحفية.. لذلك نجد أن المجلس القومي للصحافة والمطبوعات صادق خلال في دورة سابقة له على إصدار أكثر من (60) صحيفة ومجلة تغطي مختلف ضروب العمل الصحفي، سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، ورياضيا. هموم الصحافة تؤرق الصحفيين وتقض مضاجعهم بشكل يومي.. يقول الصحفيون لا تغرنكم ابتساماتنا رغم كل الصعاب.. القارئ يعيش مع الصحفيين في السودان عنت الحياة واللهث اليومي وراء لقمة العيش.. لولا ذلك لما كان نصيب القارئ السوداني فقط نسخة واحدة لكل 125 شخصا بينما على سبيل المثال في مصر نسخة لكل 25 شخصا وفي قطر نسخة لكل 7 أشخاص. إن من أهم العقبات التي تواجه الصُحفي هنا في السودان تجاهل الاعتراف به وبدوره وبحقه في أن يسأل وأن يستوضح وأن يُناقش المعلومات التي يتلقاها. هذا إذا وجد من يستقبله ويستمع إليه أو يعطيه معلومة تكشِف عن "الحدث". كان للصحافة السودانية دور مشهود ومقدر عبر تاريخ البلاد.. قامت الصحافة بوظيفتها في الإخبار والشرح والتحليل والتفسير والحفز والدفع والمبادأة والمراقبة والتنبيه.. النبهاء من السياسيين تيقظوا لأهمية الصحافة، فالسياسي النبيه استطاع إقناع الصحافة بأن خططه وبرامجه يمكن أن تصبح أهدافا تتبناها.. والفهم الصحيح يقود إلى قناعة تامة بأن الصحافة هي رسالة، والصحافة المطلوبة في مجتمعنا هي صحافة الكلمة الطيبة.. والوعاء النظيف، الذي يسهم في إعادة بناء الإنسان، واسترداد إنسانيته، وتخليصه من العبودية لغير الله.