23 سبتمبر 2025

تسجيل

ميقاتي والنأي بالنفس

24 مارس 2012

الشعار الذي ترفعه الحكومة اللبنانية ، حين تسأل عن دبلوماسيتها في المحافل الإقليمية والدولية حول الوضع في سوريا ، هو النأي بالنفس . وقد ذهب اللبنانيون مذاهب شتى في فهم معنى "النأي بالنفس" ، وهو للحقيقة، مصطلح جديد في عالم السياسة ، لا أعتقد أنه أدرج في أيّ فصل من فصول مناهج العلوم السياسية التي درسناها على مقاعد الدراسة الجامعية ، إذ إن الدول ، حالها كحال شعوبها ، منفعلة وفاعلة ، مهما كان حجمها ، وأين كان موقعها الجغرافي، وحيث منزلتها في سلم المدنية والتطور على تفاوت بينها في حجم التأثير والتأثر .. ربما هذا يذكرنا بأحد أبرز الاقتصاديين العالميين حين زار لبنان سبعينيات القرن الماضي بغية وضع خطة لتنمية الوضع الإقتصادي اللبناني ودفعه للأمام فأدرك الاقتصادي الجهبذ أن قوة لبنان تكمن في ضعفه وأن فوضى التنظيم هي مصدر قوته ، هكذا قال أو هكذا ما نُقل عنه ولا يزال لبنان يعيش هذه الكذبة بأنه قطعة سماء على مذهب المغني اللبناني الكبير وديع الصافي "لبنان ..يا قطعة السماء" . وبما أن لبنان ذو شجون وفنون في عالم الثقافة والاقتصاد والاجتماع فلا أظن مجال السياسة سيكون استثناء في هذه الخصوصية العالمية ، إذ لماذا لا يكون لنا "سياسة النأي بالنفس "... ربما كان المخرج الذي أراده رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الذي يظهر دهاء وتمرساً في السياسة أكثر مما كان يظن عنه، فهو بجدارة يلعب كرة قدم على أرض زرعها بالألغام جميع اللاعبين في لبنان من النظام السوري وصولاً إلى الفرقاء السياسيين من قوى 8 و14 آذار . وحتى اللحظة وبعد شهور من اللعب الذي لا يتوقف لم يصب لغم واحد قدم ميقاتي الطويلة رغم تسديده أهدافاً في ملعب حلفائه وخصومه على السواء وإن كان الرهان على خسارته قبل نهاية الشوط لا تزال قائمة لمن يمنون أنفسهم بإسقاط حكومته.. لكن ما ارتضاه ميقاتي لنفسه لم يرضه الشعب اللبناني ودويلاته الطائفية ، فلا الكرامة سمحت لخصوم النظام السوري أن يسكتوا على قتل الأطفال وسحق جماجم آبائهم تحت جنازير دبابات الجيش العربي السوري حامى الديار ، ولا النخوة أقعدت حزب الله وجمهوره وشيئاً من حلفائه عن مناصرة النظام السوري الذي يتعرض لمؤامرة كونية لاعبوها خلجيون وأوربيون وأمريكيون وإسرائيليون وسلفيون جاءوا من أفغانستان وليبيا وقطر والسعودية واتحدوا تحت راية إسقاط رمز المقاومة بإشراف مراكز لوجستية واستخباراتية في إحدى دول الخليج وفقاً لمذهب حزب الله وحزبي البعث والقومي السوري وإن شئت التيار البرتقالي في قراءة الأحداث الجارية في سوريا ...ولم تكن ساحة الشهداء في العاصمة بيروت إلا بروفة لما عليه دويلات الطوائف في لبنان .. فهل يفتقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الكرامة التي لم تسكت قوى 14 آذار عما يحضر له الشعب السوري من فصول تأتي تباعا على مراحل متتالية ، أم تنقصه النخوة التي تمتلئ بها عضلات حزب الله فعجز عن رؤية ما يراه الحزب مما يحضر لسوريا خلف الكواليس في المحافل الدولية والإقليمية؟ أيا ما كان القصف الذي يتعرض له بيت ميقاتي الذي يبدو أنه من زجاج مقاوم للرصاص ، فإنه قد قرر أن يجعل من سياسة "النأي بالنفس" اكتشافاً جديداً في عالم السياسية لا يقل أهمية عن اكتشاف العالم ألفريد نوبل للديناميت في عالم العلوم .. وهو يختبره منذ اندلاع الأزمة السورية بعد أن حاول أن يدخل مصطلح "الوسطية السياسية " إلى قاموس العمل السياسي اللبناني الذي لم يختبر منذ دولة لبنان الكبير سوى الإصطفاف والانقسام والتمترس خلف أيديولوجيات غربية وشرقية ممعنة في التطرف ولفظ الآخر . إلى متى ستصمد سياسة ميقاتي بعد ململة الشارع وخروج أطياف سياسية إلى الساحات لتعبر عن رأيها مما يحصل في سوريا ؟ سؤال إجابته رهن بعدد الفصول التي تعيشها الشقيقة الكبرى سوريا!.