عبدالعزيز عبدالغني وتدوين تاريخ قطر الحديث

(1) مسيرة حافلة بالعطاء في كتابة وتدوين تاريخ قطر ومشيخات الخليج استمرت لعدة عقود قام بها المؤرخ السوداني عبدالعزيز عبدالغني “1944 - 2022“. المسيرة تستحق منا وقفة متأنية لمنح هذا الرجل حقه نظير ما قدم من جهود لم يسبقها أي باحث من قبله في ميدان التوثيق التاريخي بكل أمانة. والأمر الاخر ان جهوده ستبقى خالدة خاصة انه أحد المؤرخين البارزين الذين اختاروا الكتابة عن تاريخ قطر بطريقة منصفة وأمينة تقوم على نشر الحقائق ومنها ما كتبه عن تاريخ مؤسس قطر وحاكمها الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني - طيب الله ثراه - المتوفى عام 1913م. (2) جمعتني الأيام مع المؤرخ عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم سنة 2012 م أثناء اجتماعاتنا المتكررة ضمن عملي كعضو في لجنة المحتوى لتأسيس متحف قطر الوطني برئاسة الشيخة آمنة بنت عبدالعزيز آل ثاني مدير متحف قطر الوطني وبرفقة مجموعة من الباحثين البارزين منهم: - كلثم الغانم - هيا آل ثاني - عبدالله السليطي - محمد بو هندي - فاطمة السليطي - خالد عبيدان - خالد السندي - نوف إبراهيم - حمد الحسن - ناصر الحمادي. فقد كانت هذه اللقاءات تنصب في أهمية تاريخ قطر السياسي وكتابته بكل شفافية خاصة ما يتعلق بجوانبه التي تتعلق بالأحداث السياسية التي شهدتها قطر خلال القرنين الماضيين وعلاقة قطر بالعثمانيين والانتداب البريطاني - على وجه الخصوص - والتي شهدت بعض الجوانب الغامضة وتطلبت من المؤرخ عبدالعزيز الكتابة عنها لأجل تدوينه في قاعات متحف قطر الوطني التي كتبت اليوم بشكل يقوم على الصحة قدر المستطاع. (3) ونشير في هذا المقام ان لجنة التراث الشفاهي في متحف قطر الوطني قد تأسست منذ سنوات وقد أشرف عليها الباحث محمد بوهندي البوهندي. واستطاعت خلال الفترة القليلة الماضية تقديم عدة تسجيلات نادرة مع كبار السن ورجالات قطر بجانب بعض الشخصيات العربية التي خدمت المجتمع القطري وقدمت خدمات جليلة لا يمكن اغفالها، ومن هذه اللقاءات المهمة كانت مع المؤرخ المميز عبدالعزيز عبدالغني المؤرخ في الديوان الأميري رحمه الله. حيث تحدث في هذا التسجيل الوثائقي عن سيرته الذاتية ومشواره مع البحث العلمي من البكالوريوس والماجستير حتى الدكتوراه بجانب التطرق الى مؤلفاته وكتبه العلمية التي تمس دول الخليج وقطر بشكل خاص مع التركيز على مسألة التوثيق والمخطوطات التي وقعت بين يديه خلال مشوار دراساته التي انتجت لنا الكثير من المطبوعات، خاصة تلك التي تناولت تاريخ مؤسس قطر الشيخ جاسم بن محمد والأحداث التاريخية لشبه جزيرة قطر خلال عهد حكام قطر منذ عهد الشيخ محمد بن ثاني آل ثاني ومن جاء بعده من أبنائه. (4) ولهذا فقد أثرى عبدالعزيز عبدالغني المكتبة العربية بالكثير من الدراسات التي لم ينجزها أي مؤرخ اخر خاصة ما يتعلق بالوثائق التي تمس دول الخليج ومنها قطر والامارات والسعودية بشكل خاص. لقد تناول في دراساته الرصينة والمهمة وثائق الهند والمكتبة البريطانية وما نشر من بحوث وكتابات طبعت في بعض دول الخليج. كما كان يترجم من الوثائق الاجنبية ويقضي فيها سنوات طويلة من أجل اخراجها الى النور بالشكل الذي يليق بها للمهتمين بالشأن التاريخي بكل أمانة. وللعلم فإنه لم يكتب عن الخليج فقط، بل سبق في بداياته الاولى ان تناول بعض الدراسات التي تتعلق بتاريخ السودان والحبشة وكذلك إيطالبا في شمال افريقيا والوجود البريطاني في الجزيرة العربية ثم تفرغ للكتابة بعد ذلك عن الخليج العربي وكانت قطر اخر الدول التي عاش فيها وكتب عنها حتى رحيله في فبراير 2022 م. (5) وكتابته لتاريخ قطر في العصر الحديث كانت من خلال عدة مؤلفات مهمة تناولت: - تاريخ قطر الحديثة - مختارات من وثائق بومباي - الشيخ جاسم بن محمد. وهذه الكتب تناولت الخط الزمني لعناوين مهمة حيث بدأت من تاريخ 1840م وحتى عام 1916م وهي بداية فترة الانتداب البريطاني على قطر في عهد حاكم قطر الراحل الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني. (6) كلمة أخيرة: يبقى عبدالعزيز عبدالغني علامة مضيئة في كتابة تاريخ قطر والخليج العربي نظير ما قدم من أعمال بارزة في توثيق تاريخ هذه الدول. ولعل ما أنجزه من جهد عن تاريخ قطر السياسي في العصر الحديث هو أهم عمل قام به، ولهذا كان قامة شامخة تسير نحو البحث عن المجهول عن التاريخ للتعريف بشخصية قطر من خلال رؤية ثاقبة ومعمقة للأرض والإنسان. [email protected]