10 سبتمبر 2025

تسجيل

ديناميكية الحكم في تونس

24 فبراير 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم يتوقع أحد من السياسيين التونسيين، أن تتزعم تونس المنطقة العربية من حيث كونها أنجع نظام حكم في العالم العربي، وفقا لتقرير أصدرته مؤسسة كارنجي الأمريكية للسلام الدولي، قبل بضعة أيام.فالجميع، من طبقة سياسية ونخب فكرية وبعض الإعلاميين، وحتى مواطنين، كانوا يشعرون بأزمة ثقة إزاء الحكم، وزادت عمليات سبر الآراء التي تجريها مؤسسات تونسية حديثة العهد بالعملية السياسية الراهنة، في تعزيز أزمة الثقة هذه، من خلال أرقام ومعطيات تصبّ في خانة التشكيك في مؤسسات الحكم، وفي الأحزاب والشخصيات السياسية الفاعلة في المشهد التونسي.. وهكذا أخضعت التجربة التونسية الجديدة برمتها، لنوع من الهرسلة الإعلامية والسياسية التي كادت تعصف بها، بل إن من بني جلدة التونسيين، من يتحدث عن فشل هذه التجربة ونهايتها، منذ إزاحة "الترويكا" التي كانت تحكم قبل عامين. لقد تسرّبت قناعة لدى طيف واسع من النخبة والمجتمع، بأن الحكم في تونس منذ ثورة يناير 2011، عاجز وفاشل، وهو إلى زوال. ويأتي تقرير المؤسسة الأمريكية ليقول للتونسيين، ولمهندسي هذه التجربة الوليدة، بأن بوصلتكم لم تخطئ الاتجاه، وبأن منظومة الحكم الحالية، رغم كل الهنّات، وربما الانتكاسات التي حصلت في تفاصيل الجسم السياسي التونسي، تعدّ الأنجع في السياقات العربية الراهنة. ولاشك، أن التقرير الأمريكي الذي كان حصيلة سبر آراء لنحو 300 خبير من العالم العربي، لم ينشغل بتفاصيل الحكم، أو بالتجاذبات الحزبية والأيديولوجية الموجودة بين أطياف العمل السياسي، بقدر ما كانت تهمه الديناميكية السياسية للحكم في تونس، وللكيفية الجديدة لإدارة الدولة.. ففي تونس اليوم، انتخابات حقيقية بكل المعايير الدولية، وإعلام ضامن لحرية الرأي والتعبير في أوسع ترجماتها، ومؤسسات مستقلة عن الحكم تدير الشأن القضائي، وتراقب تطبيق الدستور، وتتفحص منسوب الفساد الذي لا يزال ينخر أجهزة الدولة، إن لم يكن قد زاد منسوبه، بفعل هيمنة اللوبيات والمافيات على بعض المؤسسات، وتأثيرها على صنع القرار فيها.. وفي تونس كذلك، خطوات مهمة في مستوى تجربة الحكم المحلي والقطع مع المركزية، واتجاه لمأسسة القرار السياسي والسيادي للدولة. واللافت للنظر في التجربة التونسية أيضا، الأسلوب الديمقراطي الحقوقي في التعاطي مع الاحتجاجات ومع الاختلاف وحتى التناقض مع وجهة نظر الحاكم.. لقد بات القرار السياسي موزعا، أو هو يتجه في هذا السياق، بين عديد المؤسسات والهيئات التي لم تعد متذيّلة للدولة، بقدر ما هي مستقلة عنها في بناء موقفها، رغم أنها جزء منها، بما يجعل القرار السياسي غير محتكر من جهة محددة، كما يجري في الأنظمة الاستبدادية. لا يعني هذا مطلقا، أن تونس باتت ديمقراطية مكتملة، إنها مؤشرات على حكم جديد، يحتكم "للديمقراطية الوفاقية" التي تحدث عنها يورغن هابرماز، وينحاز لعلوية الدستور، ويتعاطى مع الفعل الاجتماعي بمرونة غير مسبوقة، قياسا بتجارب عربية أخرى.. ومن هنا نجاعته التي أشار إليها تقرير مركز كارنجي. وهذا ما يجعل الطبقة السياسية التونسية أمام مسؤولية تاريخية، ليس أقلها، المحافظة على المنجز، لأنه ملكية الأجيال القادمة، وليس "حوزة حزبية" كما يعتقد البعض من مراهقي السياسة.