30 أكتوبر 2025
تسجيليوم السبت الماضي صادف الذكرى المئوية لميلاد الكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين الذي كان بحق أستاذاً عظيماً، ومعلماً كبيراً، وقامة هائلة لها قدرها واقتدارها حتى الآن وسيظل اسماً لا ينسى، وصاحب مكارم وأخلاق جميلة لا تحصى، كان حبيباً وقريباً من الغلابة والموجوعين، وحُمّال الهم والمرض والفقر، لم يعش في برج الصحافة العاجي الذي يفضله البعض، وإنما عاش مع الناس، وللناس، لم يوصد بابه أمام أحد بل كان على موعد مع (الغلابة) أمام باب أخبار اليوم كل يوم، كانوا ينتظرونه، وكل منهم ينتظر فرجاً على يديه، وفرحاً بعد كربة، وابتسامة بعد شلال دموع، كان يجمع أوجاعهم المكتوبة في رسائل فيها شرح مطول لمشاكلهم وآلامهم، كانوا يتعشمون فيه خيراً، ولم يخذل أحداً، أحب الناس فأحبوه، وخفف بقلبه الطيب عن آلاف الموجوعين من أصحاب الحاجات فأنشأ أبواباً إنسانية كثيرة فكانت (ليلة القدر) حيث يتحقق أمل، وكان (أسبوع الشفاء)، حيث يشفى بإذن الله مريض، وكانت (نفسي) وكم للنفس من أمنيات، (ولست وحدك)، حيث يفتح شباك أمل أمام يائس ظن أنه في محنته وحده، وكلل كل هذه الإنسانية الضافية بتأسيس دار 6 أكتوبر للأيتام التي ظل سكانها يلهجون بالدعاء له طويلاً، وقد أدركوا أن رجلاً رحيماً كريماً كان صاحب فكرة إيوائهم تحت مظلة للرعاية والحنان، هذا بعض ما قدمه للناس كإنسان نبيل كانت تعذبه آلام الناس، وتوجعه دموعهم، ويستشعر سعادة قصوى في خدمتهم والتخفيف عنهم حتى أصبح (مصطفى أمين) عنواناً للنبالة والإنسانية الضافية يقف إلى جانبه توأمه (علي أمين)، حيث كانا عملاقين في تاريخ الصحافة المصرية، أسّسا (أخبار اليوم) بكل وهجها وألقها وقربها من القارئ وقد تعدت الاهتمام بالسياسة إلى الاهتمام أيضاً بالإنسان بكل اهتماماته، واجتماعياته، ومشاكله، وكل ما يمس حياته ونبضه، وعاش بقلمه وقلبه متصدياً للدفاع عن أي حق سلب، أو اغتصب، عن أي ظلم أو جور وقع على إنسان، ومع ذلك عرف (مصطفى أمين) الألم، وعانى الوجع وقد أمضى سنوات في السجن بسبب خلافات في الرأي مع الزعيم (جمال عبدالناصر) وصلت إلى تهمة التخابر مع أشخاص يعملون بدولة أجنبية! ولم يضع وقته في الحبس إذ سرب كتابين (سنة أولى سجن) وآخر عن ثورة 19 حتى حاز العفو من السادات، وخرج من سجنه.* ونظرة إلى صحفي يعد (بصمة) في تاريخ الصحافة العربية من حيث أفكاره، وقناعاته، ولطالما نطق عموده (فكرة) بصهيل نفسه، وأحلامه، وتوقه، وأمنياته في حياة أفضل لكل مصري، ولعل أجمل ما قرأته لهذا العبقري قوله: متعتي في هذه الحياة أن أعرف الناس، أعرفهم من الخارج ومن الداخل، أن أدرسهم، وأحبهم، أحببت الكثيرين ولم أكره أحداً، كنت أعامل الذين يكرهونني على أنهم مرضى وادعو لهم بالشفاء، وكنت أعذر الفاشل الذي يحقد على الناجح، وأعذر الضعيف الذي يكره القوي، وأجد مبرراً للفئران عندما عضت السباع، وعرفت أقزاماً كالعمالقة، وعمالقة كالأقزام، عاشرت الملوك، والصعاليك وعرفت صعاليك لهم طباع الملوك، وملوكاً لهم أخلاق الصعاليك.. أستمتع بأفكار الأستاذ العبقري والصحفي المرموق واختار من كتاباته وقفات في كلمات لها معنى يقول مصطفى أمين.* إن معنى الحرية والديمقراطية وسيادة القانون هو ألا نخاف، الخائفون يستسلمون والأحرار يقاومون.* إن مهمة الكاتب الحقيقية هي أن يمشي أمام الرأي العام، يقوده إلى النور، ولا يمشي خلفه إلى الظلام، يصارحه بالحقيقة التي تغضبه، ولا يخدعه بالكذب الذي يسعده.* إذا شعرت أيها الكاتب المبتدئ بالضربات تنهال على رأسك فلا تحزن، ولا تيأس فإن هذه طلقات المدافع تعلن مولد كاتب عظيم.* في الصحافة نحن لا نكتب بأيدينا، وإنما نكتب بنبضات قلوبنا، الكلمات لا تسطر بالحبر، وإنما تسطرها أنفاس محترقة.* المرأة العربية في حاجة إلى أن تعصرها الحياة، والصدمات، والمتاعب سوف تعلمها كيف تصمد وكيف تشق طريقها في الصخور.* في ظل الإرهاب والخوف يخالف الذين حول الطاغية أبسط قواعد العدالة والقانون.* إن العبقرية ليست أن تجعل شعبا يركع على ركبتيه، وإنما العبقرية أن تجعله يقف على قدميه.* القيود لا تقيد الجريمة وإنما تطلق سراحها، والرشوة لا تنتشر إلا مع صوت السلاسل والأغلال.* مهمة المعارضة أن تضيء الفوانيس أمام الحاكم لا أن تحطم الفوانيس ليضل الطريق، مهمتها أن ترشده لا أن تضلله.* قلم الصحفي لا يقصف في الزنزانة وإنما يتحول إلى مدفع رشاش.* أي ضربة توجه للحرية من الخلف لا توقعها، إنما تدفعها.* لا تظلم الخنجر وإنما عليك أن تعرف أولاً من الذي أدار ظهرك للخنجر.* إقبال الشعب كله على التصويت يخيف ويرعب الذين يحاولون تزوير الانتخابات أو تلفيق إرادة الأمة.* لا يكفي أن نطلق الزغاريد لانتصار العدالة، بل يجب أن نبحث لماذا وقع الظلم على المظلومين!* إن مصر تنتظر نواباً لا يتجرون بالنيابة، ولا يستفيدون منها، ولا يضعفون أمام الإغراء، ولا يتخاذلون أمام التهديد والوعيد.* ما رأيت ظالما نجا بظلمه، ولا رأيت طاغياً أفلت من لعنة الله.هذه كلمات لها معنى كتبها عملاق الصحافة العربية (مصطفى أمين) رحمه الله، وكم من أسماء كبيرة تعلمت كتابة العمود من قراءة (فكرة) العمود الذي مازال حتى اليوم في قلوب الناس بكل ما حمل من صدق، ونبض، وآمال في الحرية والعدالة الاجتماعية، وتوق لأجمل الأماني لمصر الغالية.