18 سبتمبر 2025
تسجيلهللت بعض مجاميع الرأي العام والعربية تحديداً بالاستقالة الطوعية والمفاجأة لبابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر التي أعلنها وحدد موعد تخليه عن كرسي البابوية في نهاية الشهر الحالي فقد أعُجب المقلفون بالانبهار الغربي بمختلف أنواعه وأحجامه بهذا الترجل الناعم لرجل قيادي عالمي بحجم البابا مقارنين بينه كرئيس دولة وبين تاريخ رؤساء العرب المتشبثين بالسلطة رغم تقدم الأعمار بهم وهجوم الشيخوخة وأمراضها عليهم من كل حدب وصوب والأهم عدم رغبة بعض شعوبهم فيهم إلا أنهم لا يملون القعود فوق السدة والحكم مهما احتاجت المهمة من ضروب البأس والقوة ومهما حل بهم من وهن وضعف. وهذه حقيقة ولكن هل المقارنة هنا متوافقة وذات مغزى في حشد شعور السلبية نحو بعض قادة الأمة فيما اعتبرت الاستقالة من سماحة الشعور عند البابا وتنازله الطوعي رغم جملة الأسباب المعلنة. فهل المقارنة هنا فيما يلمح معه إلى جشع الحكام العرب والمسلمين عبر تاريخهم وتمسكهم بسدة الحكم وإراقة الدماء دونها بإعمال السيف تاريخياً والفتك بأسلحة الدمار والقتل حالياً أم أنها مقارنة مخلة وغير عادلة من جوانبها. فيبرز فيها سوء الفهم والمعنى الظاهر للعامة فيُسوق بين الجهلة عظمة ذلك الجانب ولين الفكر والسماحة عند الغرب وحسن سلوكهم على حساب إرثنا وواقعنا رغم أن في بواطن الأمور حول ترجل البابا ما هو خفي عن العامة ومداركهم حتى مع حشد الأسباب المعلنة. فـ وفقاً للعرف البابوي العتيق الذي قامت عليه عقيدة الكنيسة وأتباعها والتي تقول بمعتقد عصمة البابا وهو رئيس الكنيسة في الديانة المسيحية الكاثوليكية وتخلد البابا في موقعه مدى حياته باعتباره مكلفاً من الرب فيعتبرون استقالته التي نُعجب بها نكسة لمعتقدهم ويقلفونها بالنعومة والهدوء حذراً من الأدهى عليهم في صميم المعتقد ومستقبل الديانة وأتباعها. عموماً رغم ما أحدثته الاستقالة البابوية من زوابع خفية داخل الكنيسة باعتبارها حدثاً لم يتكرر منذ ستة قرون وهو ما نعني الحديث عنه هنا تحديداً لمواجهة اندفاع الإعلام العربي وصناعته للإبهار والرفعة لهذا القرار الطوعي دون أن يمحص إعلامنا في خلفيات هذا الحدث بعمق أو مجرد القراءة فيما بين سطوره. فهو يعتبر مخالفة للسلك البابوي المقدس عند معتقدي ديانته. فالمتابع لأطروحات الباحث في شؤون التنصير والفاتيكان ومقارنة الأديان عصام المدير أحد تلامذة الشيخ أحمد ديدات رحمه الله وهو يكشف للإعلام الغربي جانباً من أسرار تلك الاستقالة يدرك أن للمسألة بواطن خفية وعميقة مرتبطة بتسرب نسخ من الإنجيل تذكر اسم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهو ما أخذ ضده البابا موقفاً معادياً في العام 2006 م. فالجانب الذي أخصص له مقالتي هنا هو غياب المهنية في الإعلام العربي وعمق التبعية والانبهار بالإعلام الغربي الذي يجيد توظيف رسالته لصالحه بل ويحيل الضد غالباً إلى شريك في تبني الرأي وتسويقه بين عامة الجماهير لصناعة رأي عام مشبع بالثقة من مجرد فكرة مغلوطة في أساسها أو تستبطن أهدافاً أخطر وأعمق. وهي طعوم يقع فيها للأسف الإعلام العربي الملتزم فقط بالترديد دون التمحيص والدراسة والفهم بالعرض على التاريخ وقيم الأمة ويجر جماهيرها أيضا نحو تلك الفكرة دون أن تكون موثوقة تماماً. مرة أخرى استقالة البابا شأن يخص كنيسته ويعنينا فقط من جانب صلته بمحور عقيدتنا واستهداف رمزنا الكريم عليه الصلاة والسلام إذا ما صحت رواية الباحث عصام مدير. سوى أن فكرة الاستقالة لن تمرر وفق مفهوم الشيفونية المعتادة لبعض إعلامنا لنجعلها رمزا للنعومة في التخلص من قياداتنا.