17 سبتمبر 2025

تسجيل

قال إني مسكون !!

24 يناير 2019

الإنسان صاحب القرار في أفعاله وتصرفاته وسلوكياته وهو المسؤول الوحيد عن افعاله الشيطان يؤثر على الناس بالوسوسة لكن القرار النهائي للإنسان يقول الشيخ محمد الغزالي في حوار طريف جرى بينه وبين رجل مفتول العضلات، طويل القامة. قال الرجل للشيخ: أحتاج إلى عونك. وبدأني بالحديث من غير مقدمات. هكذا قال الشيخ، حيث بادره الرجل العريض بالقول: إني مسكون! فكان الشيخ يعيد السؤال مراراً، فكان الرجل يجيبه بأنه مسكون. فقال الشيخ الغزالي للرجل: من سكنك؟ قال: جني عات غلبني على أمري! فقلت له – والحديث للشيخ وهو يضحك -: ولِمَ لم تسكنه أنت؟ إنك رجل طويل عريض. فسكت حائراً. وهكذا لم يكن يرد على الشيخ بأي إجابة سوى أنه مسكون! مثل هذه القصص تكثر في عالمنا الإسلامي كثيراً. وقد يقول قائل إن هناك شعوباً في الأرض تعتقد كذلك مثل ما يعتقد البعض منا في مثل هذه الأمور. نعم هذا حاصل ولا أختلف مع ذاك القول بأن هذا المعتقد منتشر بين كثيرين من بني البشر، لكن من المؤكد أنه ليس بالصحيح ذاك الاعتقاد الجازم المتغلغل في النفوس، الذي يعطل كل الأحاسيس والقدرات وأهمها العقل والتفكر، وهو تلبس الجن بالإنس، وكأنما خُلقت أمة الجن فقط لإيذاء أمة الإنس، والارتماء بعد ذلك في أحضان أهل الشعوذة والجدل وآكلي أموال الناس بالباطل عبر الزعم والادعاء، بامتلاك القدرات والمواهب في إخضاع الجن والشياطين، وغيرها من أفعال لا تستقيم مع المنطق ولا الإيمان الحقيقي بعالم الغيب. نحن نؤمن بالغيب، وعالم الجن من هذا الغيب، لا ننكر وجوده أبداً، ونؤمن بوجودهم دون أن نراهم، على رغم أنهم يروننا ولا نراهم كما جاء بالقرآن الكريم. ثم أنهم أمة مكلفة مثل أمة الإنس، عليهم واجبات وتكاليف ويعيشون حياتهم، يتناسلون ويعملون ويعيشون في عالم له قوانينه، منهم المسلمون ومنهم الكافرون والفاسقون، لا يختلفون عن البشر.. ولا نناقش هذه الأصول، لكن نناقش هذا التمادي الحاصل عند كثيرين منا، واعتقاد ما لا يجوز في هذا المجال، وتحميل الجن ما لا يحتملون. وبالطبع ليس هنا أدافع عن الجن، فلا يحتاجون لدفاعي عنهم، لكن هي محاولة ضمن محاولات كثيرة سابقة ولاحقة، في التنبيه إلى خطورة الانغماس في مثل هذه المعتقدات، لأنها معطلة للقدرات البشرية أولاً، وفي الوقت ذاته تعتبر فرصة للبعض ينزفون أموال هؤلاء المرضى وضعاف النفوس والإيمان ثانياً، وإيهامهم بقدراتهم الخارقة على دخول عالم الجن، وهو كما أسلفنا، غيب لا يمكن للإنسان تجاوزه أو الزعم بالسيطرة على مخلوقات هي ليست مهيأة للسيطرة البشرية عليها، إلا استثناءات قليلة وقعت لم تتكرر، وهي التي حدثت لنبي الله سليمان عليه السلام ونبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام. أما غيرهما فالأصل هو الشك فيما يزعمون من أقوال وأفعال، وضرورة عدم تصديقهم.. إننا نؤمن بعداوة إبليس وذريته لآدم وذريته منذ أن خلق الله آدم وما جرى في الملأ الأعلى وطرد إبليس من الجنة وبقية القصة المعروفة، وإن أقصى ما يمكن لأي جني أو شيطان من عالم الجن الخفي أن يقوم به لبني البشر، هو الوسوسة وتزيين الأمور بحسب ما جاء في القرآن الكريم (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) ( الإسراء - الآية 64). إنه يزين لك الأمور ويوسوس لك في كل الأوقات، لكن القرار النهائي ليس بيد الجني، لكنه بيدك أنت أيها الإنسي. الشيطان يزين لك أموراً وقت الصلاة لتؤجلها أو تنساها أو تتركها، لكنه لن يقف حائطاً منيعاً يمنعك من أداء صلاتك أو الذهاب إلى المسجد. وبالمثل في أمور الشر. هو يدفعك ويحثك ويزين لك الشر، ثم يتركك للقرار النهائي، الذي ستكون أنت الملام عليه وحدك وليس أي أحد في هذه الدنيا. أما في الآخرة، فمن المؤكد أنك لوحدك المسؤول وستحاسب على فعلك السيئ، وستنظر يومها إلى الشيطان الذي وسوس لك وزين لك الأمر، فيقول لك بكل سهولة ويسر ووضوح (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم.. )( إبراهيم - الآية 22). القضية واضحة ومحسومة سلفاً، ولكن تحتاج إلى من يتأمل ويتفهم هذه الحقائق. إن المسألة كلها في ختام هذا الحديث، تتعلق بالإنسان منا. إنه صاحب القرار في أفعاله وتصرفاته وسلوكياته. قد يجد العون من أصحاب السوء من الإنس والجن، لكنهم وعلى الأخص ذاك الذي من عالم الجن، ليس له ذاك التأثير الضاغط والقرار المؤثر عليك لتنفيذ الفعل السيئ على سبيل المثال. إن قدراتهم في التأثير إنما عبر الوسوسة المستمرة ليست أكثر، لكن أنت واتجاهاتك وميولك ونواياك، صاحب القرار الأول والأخير في تجسيد وساوسهم على أرض الواقع، أو تنثرها وتفرقها في الهواء، كما تأخذ حفنة تراب بكف يدك وتنثرها في الهواء.. أنت صاحب القرار، فانظر ماذا ترى.قال إني مسكون !! [email protected]