30 أكتوبر 2025

تسجيل

هل يستفاد من التجربة الإسلامية التركية؟

24 يناير 2015

مع دخول حركات الإسلام السياسي في العالم العربي مأزقا حقيقيا في إبعاد شبهة الإرهاب التي تلاحقها عند كل منعطف، وما تضيفه لها مراكز القوى من رزم التُّهم المحمّلة بالجملة على عجل، كون حركات الإسلام السياسي اليوم بقرة سمينة سقطت أرضا، فشمّر النكرة والمعلوم عن ساعده متبرعاً بذبحها تقربا إلى إلهه الذي يعبد، تزداد أهمية دراسة التجربة التركية التي تعتبر التجربة الوحيدة أو الأكثر نجاحا حتى اليوم. لماذا نجحت الحركة الإسلامية التركية من حيث فشلت أخواتها في العالم العربي؟ إن مقالا سريعا لن يقف على نقاط القوة التي تمتعت بها الحركة الإسلامية في تركيا، لكننا نتلمس بعض خيوط تمايزها لنرى كم تحتاج حركات الإسلام السياسي في العالم العربي للتغيير.الدكتور طارق عبد الجليل، مترجم كتاب العمق الاستراتيجي لرئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، في دراسة أعدها لمجلة الديمقراطية في مؤسسة الأهرام عدد أكتوبر 2012 تناول ظاهرة التطور في الحركة الإسلامية، فوصل إلى خلاصة مفادها أن "التيّار الأردوغاني" أصبح يمثّل مفصلاً جديدًا في الحركة الإسلاميّة التركية به يعبّر عن الموجة الثالثة في تطوّر النسق الفكري للحركة الإسلاميّة التركيّة بعد الموجة الأولى التي يمكن وصفها بـ"تيّار الإحياء الإسلامي"، والموجة الثانية المعروفة بـ"تيّار الإسلام السياسي". كلام عبد الجليل يتقاطع إلى حد ما مع دراسة لراشد الغنوشي مؤسس حركة النهضة في تونس، فالغنوشي في مقالته "قراءة خاصة في تجربة حزب العدالة والتنمية التركي" يرى أن الحركة الإسلامية التركية التي أسسها نجم الدين أربكان، في صيغها المختلفة، قد غلبت عليها الروح العملية، ولم يعرف لها جهد في مجال الإنتاج الفكري على غرار الحركات الإسلامية العربية، فمؤسس الحركة مهندس محركات يحسن لغة الأرقام والتخطيط، وقد طبع التيار بطابعه، أما غذاء أنصاره الفكري فمستمد في أصله من فكر الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في الباكستان وحركة النهضة التونسية. فأربكان الأب الروحي لحركات الإسلام السياسي في تركيا، لم يكن منشغلا كثيرا بالتنظير الفكري والتأطير الفقهي لحركته، واكتفى ببعض الترجمات السريعة لكتب إسلامية متنوعة لشخصيات مثل حسن البنا وسيد قطب ومحمد باقر الصدر والخميني وعلي شريعتي. لقد انصب الهمّ الأساسي لأربكان على تأسيس نهضة حقيقية في تركيا تستلهم طريقها عبر هوية البلاد الإسلامية تاريخيا، وينقل محمد محمد زاهد غول في كتابه "التجربة النهضوية التركية" أن نجم الدين أربكان كان يقول إنه لا يمكن التقدم من خلال السياحة والزراعة. ومن يقول ذلك فهو غافل عن الحقيقة، إذ إن ما يلزم الأتراك والمسلمين هو ثورة صناعية لتطوير الصناعات الثقيلة. "فإذا لم نصنع نحن محركاتنا، ولم نصنع مصانعنا، فلن نتمكن من مقارعة الغرب". ورغم تواضع أربكان واعتدال طرحه، إلا أن الجيش التركي في البلاد قطع عليه الطريق وحلّ أحزابه الواحد بعد الآخر. مشكلة أربكان أنه لم يغير شيئاً من أدبياته السياسية، وظلت طموحاته صعبة الهضم على معدة الجيش وارث العلمانية والأمين عليها، فضلاً عن أنه لم يفرق كثيرا بين الدعوة والسياسة، فالحزب عبارة عن جماعة دعوية خيرية وحركة سياسية مجتمعية، وكان يقود حزبه بطريقة أبوية كحال أغلب الحركات الإسلامية في العالم العربي.العنصر الشاب في حزب الفضيلة ضاق ذرعاً بهذه الآفات وأراد الخروج من دائرة الصراع المغلق بين أربكان والجيش، وبعد صراع داخلي دام أربع سنوات، انفصلوا مؤسسين حزب "العدالة والتنمية". يقول عن الحزب صديقنا المرحوم حسام تمام في كتابه "مع الحركات الإسلامية في العالم":"تراجع رجب طيب أردوغان عن خط التوجه شرقا (جوهر مشروع أربكان)، بدعوى أنه يسبب الاستقطاب الدولي، فجمّد مشروع الثمانية الإسلاميين الكبار، وأدخل تركيا في أوثق تحالف لها مع الولايات المتحدة بهدف دعمه في مشروعه البديل أي اللحاق بقطار الاتحاد الأوروبي".وخلال عقد من الزمن، نجح أردوغان في خلق ثورة صامتة تغلغلت في جميع مؤسسات الدولة والمجتمع التركي. وتمكن من خلالها أن ينقل تركيا إلى مصاف الدولة المتوسطة القوة بين دول العالم بعد أن أصبحت ثاني أكثر دولة نمواً بعد الصين على المستوى الدولي، حتى أن نائب رئيس مجلس الاستخبارات الأمريكية السابق غراهام فولر أشار في كتابه "تركيا والربيع العربي: القيادة في الشرق الأوسط "، الصادر العام الفائت أن "تركيا، بقيادة أردوغان ابتعدت منذ وقت طويل عن أن تكون حليفاً ينفذ ما تمليه عليه الولايات المتحدة، ورأت في نفسها قوة إقليمية وعالمية. وباتت الدولتان تنظران إلى القضايا العالمية بشكل مختلف، والآن فإن تضييق الهوة بينهما تبدو صعبة للغاية".الواقع العربي المزري، والمأزق التاريخي التي تعيشه حركات البعث الديني اليوم تستوجب قراءة متأنية لنهضة تركيا أملاً في الخروج من دائرة الصدام المتجدد دوما بين الدولة والحركات الإسلامية المعارضة.