10 سبتمبر 2025
تسجيلنواصل في هذه الحلقة استعراض التصور الدفاعي للتخطيط السياسي لدور الإسلام في العالم، لإدارة معركة إعلامية دفاعية واسعة النطاق وكنا استعرضنا سابقا النقطة الأولى.ثانيا: طرح واسع النطاق لرؤية الشريعة والفقه الإسلامي، الذي أسس لنظرية متكاملة للتعايش مع الآخر، في وقت لم يكن قد عرف العالم غير الصراع والحروب كأداة وحيدة للعلاقات بين الدول والحضارات: فالإغريق لم يعرفوا حقوقاً لغير اليونانيين، . واليهود استباحوا كل من عداهم، وقالوا (ليس علينا في الأميين سبيل).. والهنود اعتبروا كل من عداهم أنجاسا وخدما لهم.. والصليبيون رأوا الآخرين برابرة فأين كل هذا مما جاء به الإسلام بشأن التعامل مع المخالف في العقيدة سواء كان داخل المجتمع الإسلامي أم خارجه: ففي داخل المجتمع الإسلامي تعد القواعد التي أرستها الشريعة الإسلامية للتعامل مع غير المسلمين هي أول قواعد عرفها العالم، تقر بوجود المخالف لعقيدة الدولة وتحمي حقوقه، وفي التعامل الخارجي، أسست الشريعة الإسلامية لأول قواعد قانون دولي عرفها العالم، فيما أطلق عليه الفقهاء «علم السِّيَر». ثالثاً: لابد من التأكيد على أن كثيرا من مواقع الاحتكاك وجبهات القتال التي فتحت في عصرنا الحديث بين الأمة وبين مخالفيها في العقيدة، إنما تمثل دفاعاً مشروعاً، ولو بالاستناد للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأن الزعم بأن هذه الصراعات هي دليل على عدوانية المسلمين هو تضليل واضح يقوم به المستشرقون الجدد ليثبتوا أن العنف والصدام من خصائص الإسلام، وطبيعة تصوره للعلاقة مع الآخر!! وهو ما يفرض على حركات المقاومة الإسلامية أن تتحرى التزام أحكام الشريعة في مقاومتها للعدوان، فإن ذلك مما يحفظ شرعية المقاومة، ويدحض افتراءات المستشرقين ويُكسب المزيد من احترام وتعاطف الرأي العام العالمي.رابعا: تبني الدعوة لحوار الحضارات، وذلك في إطار الدفاع عن الإسلام وشريعته ودعوته العالمية، وتوضيح الموقف الإسلامي من كل قضايا الاحتكاك وموضوعات الساعة، والتأكيد على مدى خطورة استمرار السياسات الغربية المعادية للعالم الإسلامي ولحرية شعوبه وحقها في اختيار من يحكمها، والتأكيد على أن هذه السياسات هي السبب الحقيقي لحالة العداء المتصاعد بين الإسلام والغرب.. كما يجب تقريب فكرة الإسلام في التعايش مع الآخر للذهنية الغربية، التي لا تزال أسيرة للشحن الصهيوني، المستفيد الأول من تأجيج الصراع بين الإسلام والغرب على مدى القرن الماضي. وأخيراً: لابد من فتح الباب واسعاً أمام ممارسة أوسع عملية نقد ذاتي شهدتها الأمة على طول تاريخها، وذلك على مستوى المؤسسات اﻹسلامية والشعوب وكل الحركات الداعية لنهضة الأمة- إسلامية كانت أم وطنية – فلاشك أن الخلل كبير والخطب خطير، وهو ما لا يمكن نسبته – فحسب إلى مؤامرات الأعداء ومخططاتهم، لأنهم – في الحقيقة – لم يظفروا منا إلا بالقدر الذي سمحنا، ولم يعلوا علينا إلا بقدر تنازلنا عن مكانتنا، ولم يتقدموا في بلادنا إلا بمقدار تراجعنا أمام زحفهم . والبداية الصحيحة في طريق النصر الطويل تكون بإعادة ترميم مجتمعاتنا وإزالة كل أسباب النزاع والصراع الداخلي، وإعادة ترتيب الأولويات مع تعظيم أولوية الحرية وإنهاء عصور الاستبداد وبناء نظم سياسية تعبر عن طموحات شعوبنا وتطلعها إلى الحياة الكريمة:(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد١١).