13 ديسمبر 2025
تسجيلإنها كلمة خالدة تلك التي نطق بها في وحي القلم مدده الإسلام والعربية مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، وإنها حكمة تبقى محفورة ومركوزة في خواطر وقلوب كل الذين ينشدون الإصلاح والتغيير لما هو الصحيح الذي يجعل من البداية التواصي بالحق الذي نبهنا الله تعالى إليه هو المنار الذي لا محيد عنه للهداية في حالك الظلمات، ولعلنا ونحن مازلنا نعايش والعالم أجمع الانتفاضة التونسية المباركة وما ستؤول إليه مجريات الأحداث بعد هرب الطاغية من ريح شعبه الصامد الذي أراد حياة العز والشرف، حيث نشعر حقا بضرورة تمثل هذه اللافتة المضيئة التي رفعها أمامنا الرافعي استهلها ما من معاني القرآن والسنة وما أصله السلف الصالح ليدفع جسومنا وأرواحنا في هذا الاتجاه، نعم الحق أقوى من القوة، بمعنى أن الحق الأصيل الذي فتح ويفتح للبشرية دوما الميادين الحقيقية للأمل والعمل الحق الذي طرد ويطرد باطل القوة الغاشمة المحتلة مهما ذهبت الظنون أنها ستبقى على مثل ما أشار إليه أمير الشعراء أحمد شوقي دم الثوار تعرفه فرنسا وتعلم أنه نور وحق وأنه الفائز دوما في حلبة الصراع مع الغاضبين والظالمين: علمت أن وراء الضعف مقدرة وأن للحق لا للباطل الغلبا نعم إنه الحق إذا جاء دفع الباطل فإذا هو زاهق لأن من صارع الحق صرعه كما قال علي رضي الله عنه منبها إلى أن جولة الباطل ساعة وصولة الحق إلى قيام الساعة هذا الحق الذي نريده أن يبقى هو الدافع الحقيقي للصحوة التونسية التي تروم التحرر من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان من جهة، وهو الثمرة التي يجب أن تصان عند من جناها وهو الشعب البطل الذي لا يسمح بحال من الأحوال أن تسرق من قبل زبانية الباطل الذين حكموا مع زعيمهم الهارب تونس بالحديد والنار ويريدون أن يلتفوا على عاصفة التغيير التي انتفض لها الشباب والشواب بملايين الحناجر في ربوع البلاد وسقوا أرضها الخضراء بدمائهم الزكية نعم ان ما دعا إليه سماحة إمامنا العلامة يوسف القرضاوي من عدم مبايعة هذه الحكومة التي تسمى جديدة وهي في المعظم من الحرس القديم الفاسد نفسه الذي يعتبر جسم الحية الرقطاء بعد جزر رأسها لهو الحق الذي يجب أن يتبع حتى لا يبقى للباطل فكره وأيديولوجيته وإن تغيرت الشعارات وبعض التحولات مبدئيا لاحتواء ثورة الشعب ثم محو مكاسبه وتحقيق المآرب الخبيثة الداخلية والخارجية التي ترجع بعقارب الساعة إلى الوراء، لقد نسي هؤلاء أو تعاموا أن الأخطاء حيث لا تصحح من الحاكم المستبد حين توضع تحت المجهر فإنها تتجمع كما يتجمع البخار حتى إذا طفح الكيل أدت إلى الانفجار كما يقول عبدالكريم بكار في كتاب البصائر "ص 91" وعليه فلابد لتونس اليوم من حكومة إنقاذ وطنية مخلصة وصادقة تسير بالسفينة نفسها على الهبة نفسها التي اشتركت فيها أطياف الأمة جميعها، بمعنى أنه إذا بقي أزلام النظام السابق وحكومته فإن ذلك احتقار للشعب وسرقة حقيقية لمكاسبه وتضحياته، خاصة أننا في زمان لا نرى فيه سياسيا إلا الألاعيب التي لا يوثق بها التي تخدع الجماهير ولا تحسن في حكمها التدبير لأنها عارية من المبادئ والقيم البيضاء وقد قال المعري قديما: قل الثقات فما أدري بمن أثق لم يبق في الناس إلا الزور والملق ثوب الرياء يشف عما تحته فإذا التحفت به فإنك عار أجل إن فاقد الشيء لا يعطيه وإن من يكافئ الناس بالمكر يجب عليهم أن يكافئوه بالغدر به لا قبوله كما قال عمر المختار رحمه الله، إن هذه الشلة القديمة من الحزب الحاكم تريد شيئا فشيئا أن يضمحل حق الشعب ويتصل رئيس وزرائها بالرئيس المخلوع سعيا وراء هذا الاتجاه ولكنهم يتناسون أنه: لا يموت الحق مهما لطمت عارضيه قوة المغتصب كما أكد عمر أبو ريشة، إن سرقة حق المصير من قبل الفاسدين إنما تعني ببساطة قتل الأمة، خاصة شبابها وعلى حد ما قال "غوتة" فإن مصير كل أمة إنما يتوقف على شبابها. وإنه لا يمكن بحال أن يكون الشعب التونسي صاحيا وواعيا ثم يقبل بهذه الطغمة الراسبة لأن تاريخها السابق يشهد لها بالاستبداد والفساد، إن هبة تونس قد اخترقت وأوسعت لنفسها منذ أن قام محمد البوعزيزي بحاله يقول: فيا موت زر إن الحياة ذميمة وإن كنا لا نبرر الانتحار بحال ومآل صاحبه إلى الله في هذا الظرف العصيب وكان جواب الأمة في انتفاضتها: ويا نفس جدي إن دهرك هازل فالحق أقوى فلماذا نبقى ضعفاء وقد صدق هيغل حين قال: إذا كان الحق فوق القوة فمن الحكمة ألا نكون ضعفاء ولذلك انتصر الحق وبات الذي أمر بطرد البوعزيزي من البيع في الساحة الصغيرة مطرودا من ساحة تونس كلها بأمر الله، حيث إنه تعالى يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن مفهومنا للقوة الحقيقية غير مفهوم الطغاة الجبارين إن القوة عندنا إنما تعني في هذه الظروف أنها تأتي من عزيمة الإرادة التي قام بها الشعب في حين يظن أولئك أنها تقوم بامكاناتهم المادية ولكن ماذا أغنى عنهم الجيش والشرطة والمخابرات إن القوة عندنا تعني نصرة الضعيف حتى يأخذ حقه وهي تعني عندهم سحق هذا الضعيف بكل غرور وصلف ونسوا ما قاله الشاعر بدر الدين الحامد: إذا كنت يا هذا قويا فلا تكن غريرا فكم خيل بفرسانها تكبو إن القوة عندنا قوة الضمير وإنها عندهم خنق هذا الضمير إن القوة عندنا تستند إلى العقل وأن العقل لا مكان له عندهم وان القوة عندنا مقترنة بالأمانة (إن خير من استأجرت القوي الأمين) "القصص: 26"، وانها عندهم مقترنة بالخيانة التي لا نزاهة ولا عدل فيها، وان سياسة القوة عندنا تتسم بسعة الصدر كما قال علي رضي الله عنه وانها عندهم تضغط على صدر الأمة صباح مساء وليس لديها من شعرة معاوية شيء ينفس عن هذا الصدر لأنها ليست على بصيرة ونحن بأمس الحاجة إلى البصراء وخاصة في هذا العصر المشحون بالمحن والفتن، ان قوة السياسة لدينا تتمثل في الصمود امام الطغيان والعدوان وانها عندهم صامدة في وجه شعوبها البائسة المكلومة التي تسطر اخلد الاسماء بشهدائها، هؤلاء الشهداء الذين هم يعتبرون اول من يضع اسس الحضارة على حد ما قال بنيامين فرانكلين، إن القوة لدينا تعني الا يضحك علينا احد ويخدعنا وان نتبع توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" قالها لأبي عزة الجمحي حين اسر في غزوة بدر واطلقه الرسول لما عاهده انه لا يقاتل ضد المسلمين مرة اخرى ولكنه اسر في غزوة احد ثانية فأمر الرسول بضرب عنقه، فلا يظن احد اننا لا نعرف ان الحرب خدعة ونتبع عمر رضي الله عنه في توجيهه لست بالخب ولا الخب يخدعني واننا نرى انه لا يؤمن من جانب الحكومة الحالية اخذا بماضيها كما قال يعقوب عليه السلام لأبنائه (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ..)، "يوسف: 64"، إننا نؤمن ألا تسرق قوة ثورة الخبز التي كانت أقوى من سيف ابن علي وان مثل هؤلاء الأشقياء يجب ألا تشقى بهم الرعية ثانية فلابد من حكومة تحمل الأسوة الحسنة والوطنية الصادقة، وعلى هذا ستبقى للشعب كلمته حيث اسقط هذه الأقنعة الواهية وهو أقوى من السلطة الفاسدة وقادر على تغييرها بالحق والقوة والعدل والحرية.