12 سبتمبر 2025
تسجيلصدر القرار الأميري بتأسيس الحي الثقافي كتارا بتاريخ 9 ديسمبر 2010، وقد جاء القرار ليبعث الأمل في نفوس أهل الثقافة، حيث كانت الساحة الثقافية العربية تشهد ركوداً بسبب تراجع شأنها في أولويات الحكومات العربية إلى أدنى المستويات. اليوم وبعد مضي عشر سنوات على القرار الذي صدر بإنشاء الحي نستطيع أن نكتشف أهمية هذا المشروع الكبير في إثراء الحياة الثقافية القطرية العربية، خصوصاً وأن الهدف من المشروع لم يكن مجرد بناء عمراني للأنشطة الثقافية والفنية، بل يتعداه إلى أهداف عميقة المضمون ذات رؤية ثاقبة. الأهداف التي تضمنها قرار تأسيس كتارا وفقا لرؤية القيادة هي جعل الحي الثقافي بيئة مناسبة لرعاية وتفعيل النشاط الثقافي والإبداعي الفكري والفني، وتهيئة الحي الثقافي ليكون ملتقى للمبدعين والمثقفين، و نشر الوعي الثقافي من خلال تنظيم المهرجانات والمعارض والندوات، وغيرها من الأنشطة ذات الطبيعة الثقافية. ولعل أهمية تلك الأهداف تكمن في أنها تقوم على جعل كتارا بيئة حاضنة للنشاط الثقافي والإبداعي والفكري. فالإنسان كما هو معلوم ابن بيئته، وكلما توفرت البيئة المناسبة لمجال من المجالات ظهرت الكفاءات وازدهر النشاط، وهذا ما نجحت كتارا بتوفيره، حيث شكلت بيئة خصبة للثقافة والإبداع في كل المجالات. في الذكرى العاشرة للحي الثقافي كيف تبدو صورة كتارا؟ يمكن الجزم أن هذا المشروع الرائد والعملاق أصبح مدينة ثقافية متكاملة الأركان فريدة في جوهرها ومعالمها وأنشطتها وإنجازاتها التي عززت حضور الثقافة العربية في المشهد الثقافي العالمي، وأغلب الظن أنه لا يوجد مثيل لهذا الإنجاز في الشرق الأوسط؛ فخلال تجربتي في العمل الإعلامي في أكثر من دولة عربية كنت أشاهد كيف تتبخر الأفكار وتتلاشى المشاريع وتندثر الإنجازات، أما في الدوحة فقد كان الأمر مختلفا مع قيادة تحول الأفكار إلى مشاريع، والمشاريع إلى إنجازات. لقد استطاعت مؤسسة الحي الثقافي أن تتحول إلى القلب النابض للحياة الثقافية العربية من خلال أنشطتها الدائمة والدؤوبة التي لا تعرف الجمود والتوقف صيفاً وشتاءً وعلى مدار العام. ويندر أن تجد أسبوعاً واحداً خالياً من الفعاليات بمختلف أشكالها: مهرجانات، جوائز، معارض، ندوات، واحتفالات في الأدب والترجمة والشعر والرسم والتراث والفلوكلور والموسيقى والسينما وجميع الفنون. قيمة الفعاليات الثقافية في كتارا ليس في كثرتها، بل في نوعيتها ومستواها ورسالتها، حيث تستضيف كتارا سنوياً جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي وهي جائزة عالمية تهدف لتشجيع الترجمة والتعريب وتكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب. وهناك جائزة كتارا لشاعر الرسول التي تعتبر أول نشاط ثقافي ـ ديني يُنظم على مستوى الوطن العربي، ونجحت في استقطاب أوسع مشاركة عربية وإسلامية. وتأتي جائزة كتارا للراوية العربية كواحدة من أهم الفعاليات التي تثري الساحة الثقافية العربية وتسعى إلى تشجيع وتقدير الروائيين العرب للمضي قدما في طريق الإبداع لرفع مستوى الاهتمام والإقبال على قراءة الرواية العربية، وقد توجت هذه الجائزة بتدشين أول مكتبة للرواية العربية. وتشمل أجندة الفعاليات باقة مهمة من المهرجانات نذكر منها، مهرجان أجيال السينمائي المخصص للشباب، ومهرجان الجاز الأوروبي، ومهرجان التنوع الثقافي، ومهرجان العود، ومهرجان كتارا للمحامل التقليدية الذي يعتبر أول مهرجان يُحيي التراث البحري العريق للمنطقة والسفن التقليدية التي تحمل الغواصين لصيد اللؤلؤ، و مهرجان مرمي لصيد الصقور، إلى جانب فعاليات واحتفالات متنوعة تجعل من الثقافة وجهة محببة تستقطب الناس، ولا ننسى الأعوام الثقافية التي تجمع سنويا بين قطر وإحدى دول العالم. في كتارا تتكامل البيئة الثقافية شكلا ومضمونا، حيث أصبحت مدينة مترامية الأطراف، تمتد على مساحة مليون مترمربع؛ يبدأ مداها الطبيعي بتلال كتارا وحدائقها وينتهي عند أجمل شواطئ الدوحة. وبين جنبات هذا المدى أكثر من 15 مَعلماً فريداً أبرزها المسرح الروماني المكشوف الذي يعتبر جوهرة الفنون الهندسية، ويتسع لحوالي 7 آلاف متفرج. وهناك دار الأوبرا ومقر أوركسترا قطر الفلهارمونية، و مسرح الدراما الذي احتضن الكثير من العروض العربية والعالمية، وهناك القاعات المتعددة الأغراض والقبة الفلكية ومركز كتارا للفنون والمقرات الدائمة لكثير من المؤسسات الثقافية والفنية وأبرزها مؤسسة الدوحة للأفلام. كيفما وليت ناظريك ستجد تمازج الحضارات واجتماع الثقافات العالمية والعربية والفنون الهندسية والعمرانية التي تتباهى بطابعها القطري والإسلامي وخدماتها العصرية، حتى الحدائق والأشجار تم اختيارها بعناية من دول الشرق والغرب لتلتقي في مكان واحد وبيئة واحدة تعبيراً عن رسالة كتارا بتفاعل الثقافات. لقد نجحت كتارا بفضل رؤية القيادة أن تحتل موقع الصدارة في الخريطة العالمية للثقافة، وأن تعيد الساحة الثقافية القطرية والعربية إلى أوج النشاط والازدهار. [email protected]