11 سبتمبر 2025

تسجيل

الاستثمارات .. وفخ القروض

23 ديسمبر 2015

الحصول على القروض من الوسائل السهلة التي تلجأ إليها الدول لتعويض عجز الموازنة العامة أو لتمويل الاستثمارات، ولكن هناك ضوابط بألا تزيد نسبتها على 60 % من الناتج المحلي الإجمالي وألا يتجاوز الدين المحلي والأجنبي هذه النسبة وهي الحد المسموح به وفق المعايير الدولية، إلا أن المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري إلى جانب الديون هو فشل الحكومات المتعاقبة في تبني برنامج زمني لسداد تلك الديون، وهذا يدق ناقوس الخطر من الدخول في دوامة القروض الدولية، وهي فخ كبير لا يمكن الفكاك منه بسهولة، حتى وإن كانت هناك تطمينات من الإدارة المصرية بأن ديون مصر ما زالت في حدودها الآمنة، ومن ثم بدأت بخطوات جديدة على طريق الاقتراض من المؤسسات الدولية، وتحديدا من البنك الدولي بمبلغ مليار دولار، لتمويل عجز الموازنة ضمن البرنامج الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، المقترح تنفيذه مع البنك على مدار 3 سنوات، بإجمالي 3 مليارات دولار، وإذا كان في ذلك شهادة من البنك الدولي على الثقة في الاقتصاد والقدرة على السداد وقد سبقه قرض البنك الأفريقي للتنمية، بمبلغ 1.5 مليار دولار، على مدار 3 سنوات، وفي ذات الوقت الذي تجري فيه الاتصالات مع ممثلي صناديق تمويلية عربية، على رأسها الصندوقان السعودي، والكويتي للتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، وصناديق ومؤسسات إماراتية لدعم التنمية في مصر، وهو اتجاه للتوسع في الاقتراض الخارجي، بعد اضطرار الحكومة للاقتراض من المؤسسات الدولية، نظرا لتراجع الدعم الخليجي، وهذا يدعونا إلى التخوف من الانزلاق إلى مصير اليونان، على الرغم من أن مؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتماني ثبّتت تصنيف مصر عند مستوى «بي»، مع منح الاقتصاد نظرة مستقبلية مستقرة، لذلك فإن الصورة تبدو قاتمة، وإن كان رغم هذه القروض المتوقعة أو التي سيتم الاتفاق عليها، إلا أنها لا تكفي لسد حجم العجز المطلوب تعويضه مقارنة بحجم الفجوة التمويلية في الموازنة العامة للدولة التي تقدر بنحو عشرين مليار دولار على مدار العامين المقبلين، والتي يرى البعض أنها قد تصل إلى نحو ثلاثين مليار دولار سنويا، في ضوء قيمة العجز بالموازنة، والذي يصل في أقل التقديرات لنحو 240 مليار جنيه، أي بحدود ثلاثين مليار دولار، في ظل تراجع موارد النقد الأجنبي إلى الحدود الدنيا، وتوجه الحكومة لتمويل مشروعات محطات الكهرباء، وزيادة معدلات الإنفاق على التسليح، وتراجع الدعمين الخليجي والدولي، مما يفتح المجال واسعا للاقتراض من مصادر دولية وإقليمية أخرى، حيث توضح بيانات البنك المركزي المصري أن الدين الخارجي قفز من 35 مليار دولار في يونيو 2011 إلى 48 مليار دولار في نفس الشهر في 2015، وبذلك تكون قيمة الزيادة على مدار السنوات الأربع الماضية 13 مليار دولار تمثل نسبة زيادة قدرها 37%، لتصل قيمة الدين الخارجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 15%، ومن الخطورة استمراء عملية الاقتراض تحت وطأة الحاجة للإنفاق الجاري، وليس الإنفاق الاستثماري، وقد تقوم الحكومة بالاقتراض لسداد ديون قديمة حل أجلها، ثم تضيف جزءا من الديون لتمويل احتياجات آنية، وبذلك يظل منحنى الدين العام في تصاعد مستمر، حتى تجاوز الدين الأمر الذي يجعل من القروض الخارجية إضافة جديدة لأعباء الدين، إذ إن الاقتراض لن يخلق فرص عمل جديدة، ولن يساهم في إنتاج سلع وخدمات جديدة، لكنه سيستخدم لسداد أعباء خدمة الدين، سواء لشركات النفط الأجنبية أو ديون الموازنة العامة للدولة. ومن هنا فإن قضية الدين العام مرشحة لمزيد من التفاقم، فظلالها شديدة السلبية اقتصاديا واجتماعيا على واقع المجتمع المصري في ظل عدم توجيه الإيرادات العامة نحو الاستثمار وتمويل قطاعات الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وبنية أساسية. وهذا يتطلب وجود هيئات رقابية قوية يمكنها محاسبة الأداء الحكومي بالنسبة لاستخدامات القروض ومدى الاستفادة منها، والجهات التي يتم الإنفاق عليها من تلك القروض، وهل كانت هناك دواعٍ وأسباب للاقتراض أم لا؟ لأن الاقتصاد المصري إذا استمر على هذا النهج سوف يدفع ثمنا باهظا مقابل هذه الديون وسوف يتحمل الأبناء والأجيال القادمة أعباء هذه الديون، ويتحمل المجتمع أيضا التداعيات السلبية اقتصاديا واجتماعيا، لأنه من الصعب الوصول إلى حل لمشكلة الاقتراض الخارجي من دون السعي إلى العمل وزيادة الإنتاج والبدء بالإصلاح الداخلي ومحاربة الفساد، لأن التوسع في الدين الخارجي وإهمال الإصلاح فلن تكون له نهاية سوى الإفلاس، وما الحالة اليونانية منا ببعيدة.