12 سبتمبر 2025

تسجيل

مرايا.. في حب قطر.. تعلمنا من الرجال الأولين أن المسؤولية والمشاركة هما رمز المواطنة الصحيحة

23 ديسمبر 2010

في فترة السبعينيات عايشت تلك الفترة التي كانت تشهد انقطاعا روتينيا ومؤقتا في الكهرباء حفاظا على الطاقة، إذ لم تكد تكفي الطاقة المتاحة في ذلك الوقت لتزويد السكان بالكهرباء في كافة مناطق الدولة لمدة 24 ساعة يوميا. لا أذكر كم كنت أبلغ من العمر حينها، إذ كنت صغيرا ولم التحق بعد بالمدرسة. لكن ما أتذكره أن والدي رحمة الله عليه كان يذهب بنا برفقة الجيران إلى البر والاستمتاع بالجلسات فيه على ضوء القمر. كان المغفور له بإذن الله والدي يعمل أعمالا حرة ولديه سيارة شحن لنقل الرمال ومازلت استشعر تلك اللحظات التي كنت أظل واقفا فيها داخل الشاحنة فاردا يداي وكأنني طير يحلق بجناحيه في السماء، تماما مثل مشهد فيلم "تيتانك" حيث تمد بطلة الفيلم يديها من فوق مقدمة السفينة في اللحظات التي تصدح المغنية الكندية سيلين ديون "my heart will on". أبناء جيلي من مواليد السبعينيات عايشوا مفردات هذه الفترة التي تعد بمثابة مرحلة انتقالية في المجتمع القطري مع بدء الاستفادة من عائدات الثروة النفطية. لم تتم ولادتنا في مستشفيات متطورة كما هو الحال الآن، بل كان من الطبيعي أن يولد البعض في البيت بسلام وبصحة وعافية رغم وجود مستشفى "حمدة"، المستشفى الوحيد في قطر تلك الفترة.. بالمناسبة أحد إخوتي ممن هو أكبر سنا مني ولد في "قطيعة" منزلنا القديم في وادي السيل، تلك المنطقة التي تمت إزالتها منذ أكثر من أربع سنوات. ولمن لا يعرف من أبناء الجيل الحالي فإن مستشفى "حمدة" هو الاسم الشعبي لمستشفى النساء والولادة، وجاء سبب هذه التسمية نسبة إلى عائلة أول طبيبة نساء وولادة متخصصة حضرت إلى دولة قطر وهي الدكتورة المصرية إقبال كامل حمدي. وقبل إنشاء هذا المستشفى في عام 1959 كانت النساء في قطر تولد في البيوت من خلال القابلات المعروفات، ومع ذلك استمرت حالات الولادة في البيوت وإن كانت بنسبة قليلة حتى أواخر الستينيات. أبناء جيلي لم يستمتعوا بتسهيلات وملهيات الحياة العصرية كما هي الآن، حتى انني لم اعرف الحفاظات أبدا، وكانت أمهاتنا اللاتي لم يستعن بالخادمات يستعضن عن الحفاظات بالقماش، وبعدنا بقليل انتشر استخدام حفاظات "البامبرز" والكثير من وسائل العناية بالأطفال، لكن بالطبع لم تكن بنفس الأصناف والتنوع الكبير الموجود حاليا. بيد أن الحظ كان حليفنا عندما تخرجنا من مدارسنا وجامعاتنا في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات لأن الفرص الوظيفية والدراسية المتاحة لنا ذلك الوقت كانت كبيرة لدرجة أن الكثير من أبناء جيلي أتيحت له الفرصة لأن يعمل بوظيفة حكومية ويدرس في نفس الوقت بجامعة قطر أو حتى بالانتساب إلى جامعات خارجية. وأذكر انني عندما تخرجت من الثانوية التجارية قدمت أوراقي إلى مصرف قطر المركزي ولم انتظر سوى أسبوعا حتى تأتيني موافقة التعيين، لكن في هذا الأسبوع غيرت رأيي وقررت استكمال دراستي الجامعية فرفضت الوظيفة والتحقت بكلية الإدارة والاقتصاد بجامعة قطر. وفي الوقت الذي قال لي أحد الزملاء بعد رفضي الالتحاق في المصرف المركزي "حد يفرط في المصرف".. أتيحت لي وأنا طالب جامعي فرصة الالتحاق بوظيفة في وزارة حكومية فجمعت بين الدراسة والوظيفة. الحمد لله ولد أبناء جيلي وفي فمهم معلقة من ذهب.. فالظروف خدمتنا لأن نستمتع بحياة الرفاهية ونستفيد من الامتيازات التي وفرتها الدولة لأبنائها.. وهذا ما لم يتوافر لآبائنا وأجدادنا الذين عاشوا فعلا حياة صعبة ليس قبل اكتشاف النفط إنما حتى بعده وقبل بدء استغلاله تجاريا والاستفادة من عوائده.. فمنذ أواسط سبعينيات القرن الماضي آلت ملكية صناعة النفط إلى الحكومة، ومن ثم بدأت في العمل على تطوير إنتاجه ومنتجاته، وهو ما جعل متوسط دخل الإنسان القطري من أعلى الدخول في العالم منذ تلك الفترة.. والدولة مستمرة في العمل على تحقيق المزيد من الرخاء والتقدم لأبنائها. ونحن إذ نستمتع بما حباه الله علينا من نعم حاليا، حري بنا أن نتذكر الحياة القاسية التي عاشها الأولـين من الذين ساهموا في بناء الوطن وأن نتذكر أيضا القيم التي آمنوا بها ودافعوا عنها رغم كل الظروف الصعبة والمحن التي واجهوها. السبت الماضي الذي صادف الثامن عشر من ديسمبر احتفلنا جميعا باليوم الوطني لدولة قطر، الذي نخلد فيه أيضا ذكرى ذلك اليوم التاريخي من سنة 1878م الذي قاد فيه الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني رحمه الله شعبه نحو التأسيس وإرساء قواعد الدولة الحديثة. كان المؤسس حسب ما قيل عنه يحض في خطبه على طلب العلم والسعي إليه ويحض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بأحكام الدين والجهاد والزكاة، وأعماله كلها خالصة لوجه الله تعالى، وكان مضرب المثل في الجود والكرم والبذل ومحبة العلم والعلماء، وكانت قطر في عهده مكانا للعلماء طوال أيام السنة، وكان صاحب وفاء، وصاحب صلة رحم وصاحب إنصاف وعدل. لاشك ان احتفالنا باليوم الوطني لا يقتصر على هذا اليوم فقط إنما يجب أن يكون ممتدا طيلة فترة حياتنا، فالقيم والمبادئ التي آمن بها المؤسس وأتباعه علينا أن نقتدي بها. ونشيد بالعمل الذي قامت به لجنة احتفالات اليوم الوطني للدولة والبرامج والفعاليات التي قدمتها خلال الفترة الماضية، إلا أن المطلوب استمرار هذا العمل ليس من قبل اللجنة فقط وإنما من قبل جميع الأفراد والمؤسسات ليكون اليوم الوطني ملهما لنا في حياتنا وفي حبنا لقطر. ودعوني في النهاية أن استعير هنا ما وجدته في الموقع الإلكتروني الخاص باليوم الوطني عن أهمية هذه المناسبة: "اعتزازَنا باليوم الوطنيّ يَتطلَّب منّا تجديدَ العلاقة بتُراثنا، عبْرَ تحديثِ أجودِ ما فيه وأنفَعِه لعالَمنا اليوم؛ عامِلينَ على ضمان التطوُّر والمعاصَرة، من دون التفريط في هُوِيّتنا العربيّةِ والإسلاميّة. ويَقتضي هذا الاعتزازُ أيضًا تجسيدَ المسؤوليّة الفرديّةِ والجَماعيّة في ذُرْوتها، لأن بلدًا لا يَعِزُّ إلاّ وأهلُه متمسِّكونَ بقِيَمه، متعاونونَ في إنجاز أعماله وتحقيقِ آماله. فالمسؤوليّةُ والمشاركةُ هما رمزُ المُواطَنة الصحيحةِ الصالِحة؛ كما أنّ الوِئامَ والتلاحُمَ بيننا، وقيامَ كلٍّ منّا بدَوْره البنّاء في المجتمع، فضائلُ تعود على الجميع بالخير والسعادة والمجد، حاضِرًا ومستقبلا. ويَستلزِم اعتزازُنا باليوم الوطنيّ تطويرَ علاقاتِنا بدُوَل العالم ومجتمعاتِه، وتحسينَها؛ موَفِّرِينَ لهذا الوطنِ دورًا فعّالاً في بناء عالمٍ يَسوده الخيرُ والودُّ والسَّلام بين الأمم. فالقِيَمُ التي ورِثْناها من الشيخ جاسم بن محمّد آل ثاني والأجدادِ الأوائل تَستنهِض هِمَمَنا للحفاظ على بلادنا؛ عزيزةً، قويّةً، داعِيّةً إلى الإصلاح، شفيعةً للمظلومين، صاحِبةَ مبادَراتٍ هادِفة إلى رأْب الصَّدْع بين الدُّول والشّعوب وإحلالِ الوِفاق محلَّ الشِّقاق. ولَسوف نتمكَّن بإذن الله من تحقيق هذه الأهداف السّامِية؛ لأننا، قيادةً وشعبًا، مُتَحابُّون، مُتكاتِفون، مُدرِكونَ لرسالتنا المحليّةِ والعربيّة والإسلاميّة والعالميّة منذ أن حَلَّ مع الشيخ جاسم ذاكَ الفجْرُ المجيد — فَجْرُ دَوْلة قطَرٍ".