15 سبتمبر 2025

تسجيل

تحية للأمير الاستثنائي

23 ديسمبر 2010

ما أحدثتَه قطر استثنائي. والنتيجة دولة استثنائية. مارست الحكم بذهنية حداثية سياسية واقتصادية وثقافية رامت تحولا نهضوياً مائزاً، قام على تنمية ثروات البلاد من النفط والغاز حتى أصبحت قطر الدولة الأولى عالمياً في إنتاج الغاز المسيل. والأولى عالمياً في تصنيف مستوى دخل الفرد، بحيث تجاوزت حصة الفرد القطري أكثر من 90 ألف دولار أمريكي سنويا من إجمالي الناتج المحلي. وترافق هذا التحول الاقتصادي المزدهر مع إصلاحات سياسية ديموقراطية طالت إلغاء وزارة الإعلام وإطلاق حرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير وإقرار دستور دائم بعد التصويت عليه كمقدمة لإجراء انتخابات المجلس البلدي ثم أول انتخابات برلمانية على مستوى الدولة. ولم تكن هذه الإصلاحات الديموقراطية ملحة أو ضرورية من منظور السلطة الآمنة. فأهل قطر كانوا ولا يزالون كما خبرتُ آراء الكثير منهم راضين بنظام حكمهم على ما هو عليه، حيث يكاد معظمهم أن يكونوا مليونيرين. فهي إذن مبادرة استثنائية من رأس الحكم سابقة بسنوات على هستريا بوش بعد الحادي عشر من سبتمبر لفرض إصلاحات دموقراطية على الأنظمة العربية التي سارع معظمها إلى إحداث إصلاحات تجميلة لامتصاص غضب عظيم الروم الجدد .. لقد أفضت رؤية الأمير الاستثنائي لقطر الحديثة، بالعمل الدؤوب، إلى جعلها نموذجا للنجاح: اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا ورياضيا. وعلميا أيضا. كان ذلك تحديا عويصاً مركَّبا من تحديات متعددة لا تسعفها مساحة الدولة الصغيرة وقلة سكانها. لكن استجابة قطر لهذه التحديات كانت مذهلة بفضل الرؤية الثاقبة لأميرها الذي وظّف ثروات الغاز والنفط لأجل أن تكون دولته عنواناً لقصة النجاح الاستثنائي. ولم يكن ذلك لدواعي مماحكة مكانة دول كبيرة في المنطقة تريد أن تنتزع دوراً أكبر من حجمها الجيوبولتيكي، كما يُصوّر بعض المعلقين المغرضين الأمر. وهو تصوير مغالط لحقيقة الأمر. لأن من حق قطر أن تقوم بما تستطيعه عندما يتقاعس الكبار عن أداء دورهم القيادي في تسوية النزاعات العربية كما حدث في "اتفاق الدوحة" التوفيقي بين الخصوم اللبنانيين، دون أن يكون بديلا عن اتفاق الطائف الأصلي. وكما حدث في اتفاقية إنهاء القتال بين الحوثيين والحكومة اليمنية. وهو ما يحدث في منبر الدوحة التفاوضي لأجل جلب السلام والتنمية إلى دارفور. وأجد الدوحة أفضل مكاناً لتفاوض فتح وحماس إذا ما تحررت فتح من الأجندة الأمريكية والتبعية شبه العمياء لـ "عرب الاعتدال". وبالمناسبة فإن سياسة قطر العربية والدولية معتدلة حسب المفهوم البراغماتي وبأسلوبها الاستثنائي. فهي منحازة بقوة إلى مصالح دول الخليج العربي لكنها في الوقت نفسه تحافظ على علاقات طيبة مع إيران. وبمثل ما هي على علاقة جيدة بأمريكا لا تتوانى عن دعم مقاومة حماس وحزب الله وممانعة سوريا. ومن هنا هي في محور المقاومة والممانعة. ونذكر هنا موقفها المُشرِّف في دعم مقاومة حزب الله أثناء العدوان الإسرائيلي تموز 2006 وجهدها الدبلوماسي الملحوظ لوقف العدوان بينما كانت أنظمة عربية مركزية تحرّض إسرائيل على مواصلة حربها التدميرية على لبنان. وعقب انتهاء العدوان جاء الأمير الاستثنائي إلى بيروت في زيارة استثانية للضاحية الجنوبية، معلنا من فوق الركام:" إن المقاومة في لبنان حققت انتصارا عربيا طال انتظاره.." وبعده جاءت المساعدات القطرية السخية لإعادة بناء آلاف الوحدات السكنية في القرى الجنوبية التي هدمتها آلة الحرب الإسرائيلية. وأثناء العدوان الإسرائيلي الإجرامي على غزة بذل الأمير العروبي جهودا مضنية من أجل عقد قمة عربية مخصصة لدفع عدوان بني صهيون عن غزة وأهلها. ورغم أن قمة غزة في الدوحة لم تحقق نصاب القمة العربية الرسمية إلا أنها حققت ما لم يكن أن تحققه قمة عربية رسمية مكتملة النصاب. لقد كانت قمة مقاومة وممانعة بامتياز...... والسؤال: لماذا تقوم قطر بمثل هذه الأدوار الاستثنائية؟! والجواب: لِمَ لا ما دامت أدوار إيجابية تخدم القضايا العربية بلا منة ولا أطماع. فقطر لا تريد نفوذا. فذلك لا طاقة لها به. لذلك تقوم بما لا يريد الآخرون أن يقوموا بها. والأحرى لا يستطيعون لأنهم لا يحظون بشرط الإنصاف. الشرط الذي وفرته قطر، على سبيل المثال، في اتفاق الدوحة بين الخصوم اللبنانيين، وبين الحوثيين وحكومة صنعاء، وتوفره بين الدارفوريين وحكومة الخرطوم.. ولكن يبقى احتضان قطر لقناة الجزيرة أكثر ما يغيض المغتاضين. ولا نملك إلا أن نطالب الجزيرة بمزيد من حرية التعبير . إذ لن يرضى عنك طغاتنا حتى تتبع طريقتهم في صناعة الإعلام الخشبي وفضائيات التدليس. فهنيئاً لك ولشعب قطر الطيب هذا الحصاد الغني من النجاحات المتواصلة. وإن 2022 لناظره قريب....