12 سبتمبر 2025

تسجيل

كأس العالم بهوية قطرية

23 نوفمبر 2022

لقد أنعم الله علينا بأن نكون من أفراد هذا المجتمع القطري الصغير والذي لا يوازي حيا من أحياء بعض المدن (كما أطلق علينا)، ولم يكن ذلك عائقاً أو هاجساً، بل كان وما زال من أكبر التحديات التي خلقت دافعا قويا للتقدم والتميز. فلقد تجاوزنا منذ القدم الكثير من المحن والحروب التي سطرها التاريخ عبر الزمن. وتناقلت الأجيال صمود وتماسك وشجاعة هذا الشعب العظيم الذي اثبت للعالم اجمع بأنه رغم قلة عدد السكان وصغر الحجم الجغرافي وكذلك مناخه الصحراوي يستطيع ان يتجاوز كل الصعاب وينافس أكبر الدول ويتميز بين أقرانه متشبثاً بالعزيمة والإصرار للاستحواذ على شرف استضافة أكبر تجمع كروي في العالم. واضعين نصب اعيننا مكانة هذه الأمة بين الأمم لرسم مسيرتها الكبرى في خطى متناغمة وموازية للصورة الحضارية العالمية التي ينهجها العالم دون ان نغفل عن ارثنا الحضاري وتاريخنا العربي الإسلامي. فمنذ القدم نهجت دولة قطر سياسة الحفاظ على الهوية الوطنية والتي ترتكز على عدة ثوابت أهمها الدين الإسلامي واللغة العربية وكذلك الثقافة المحلية لكون الشعب القطري جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية. وهذه الثوابت هي المحددات التي تتمسك بها الدولة ويتمسك بها أفراد المجتمع، والتي لا يمكن التنازل عنها بقوة الدستور. فدولة قطر ذات سيادة، وتتمتع باستقلال تام يمنع أي تدخّل في الدولة على المستويين الداخلي أو الخارجي، وممارسة سلطتها، فلا تخضع لأي توجيهات ولا تتنازل عن مبادئها وموروثاتها المجتمعية. وكل ذلك ترجمه حفل افتتاح كأس العالم 2022، منذُ كان حلماً واثناء رسم خريطة الطريق ووصولاً لمراحل التنفيذ، حيث خُطط لإقامته في استاد البيت المستوحى تصميمه من بيوت الشعر القديمة التي سكنها اجدادنا في البادية منذ قرون، لتستشعر بحفاوة الترحيب وكرم الضيافة عند اقترابك من (الدوه) العملاقة التي تتوسط المدخل وسط نقوش السدو وخطوطها السوداء والبيضاء والتي عادة تُعرف القبائل العربية بها لتضيف مزيجاً فريداً من عبق الماضي وبين حداثة التطور السريع والنهضة التي تعيشها البلاد. وفي إطار التمسك بالثقافة المحلية تم اختيار تعويذة (لعيب) وهو عبارة عن مجسم بزي عربي، يتكون من شماغ أبيض مع تدلي حبال من العقال وهو ما يتميز به العقال القطري ليكون رمزاً تاريخيا لهذا الحدث الكروي. والذي تميز حفله بالإبهار البصري حيث استخدمت فيه أحدث تكنولوجيا الإضاءة والصوت لعرض القرش الحوتي الذي يتخذ قطر له موطناً منذ القدم للإشارة لمهنة الغوص التي اشتهرت بها دول المنطقة، كما سلط الضوء على دور النساء بتلك الحقبة وهن يقمن بدق البن (القهوة) بالهاون لاستقبال الضيوف متزينين بالزي الشعبي بتفاصيله الجميلة، إظهاراً لدور المرأة العربية ومكانتها بالمجتمع منذ القدم وهي تُحمل في الهودج على ظهور الجمال في لوحة فنية رائعة مزجت الحياة البرية بالبحرية والتي كانت سائدة بمجتمعاتنا العربية. كما تم استعراض للعرضة التراثية القطرية وإبراز دور الرجال في حماية الوطن من خلال تكاتف كل القبائل خلف قيادتهم الحكيمة حاملين السلاح الرئيسي عند العرب (السيف) مرتدين ملابسهم التقليدية يتوسطهم علم البلاد مرفرفاً. هذا وتناول الافتتاح العديد من المعاني والرسائل الجلية التي تحاكي ماضي كرة القدم في المنطقة وما آلت اليه الآن في تعبير عن الوفاء والاجلال لما قام به الأمير الوالد من جهود ساهمت في نهضة الكرة القطرية وتحقيق الحلم الذي كان صعب المنال. كما حُرص في الافتتاح على ابراز الشخصيات القطرية من مطربين وملهمين في محاكاة بين الشرق والغرب لتصحيح المفاهيم وبناء جسور من الحوار المتبادل بهدف التعايش والاحترام والتقبل بين الثقافات العالمية المختلفة. مرتكزين على اللغة العربية في غالبية فقرات الحفل التي افتتحت بتلاوة آيات من القرآن الكريم واختتمت بكلمات من سمو الأمير يدعو فيها للتسامح والتواصل الإنساني الحضاري. لصياغة ملحمة وطنية متكاملة لتغيير الصورة النمطية بصورة ذهنية واضحة لما وصل اليه العرب والمسلمون. ولنتشارك الفخر والاعتزاز ونطوق أنفسنا بشرف نتقاسمه مع كل الدول العربية. فلقد تحقق الحلم الذي راودنا وأصبح الوعد واقعاً رغم كل حملات التشوية والتشكيك التي شُنت على البلاد والتي لم تشهدها أي استضافة في تاريخ بطولات كأس العالم. ليس لأننا دولة عربية أو اسلامية فقط بل لكوننا نملك كل مقومات إنجاح تنظيم أكبر مونديال عالمي في حين لا تتجاوز مساحة ارضنا ١٢ ألف كم٢.