12 سبتمبر 2025
تسجيلمهرجان المحامل التقليدية هذا العام ومثل كل عام أعادنا عبر آلة الزمن إلى الوراء أعواما وأعواما، فشاطئ كتارا ضج بعشاق البحر واحتوى أشواقهم وحنينهم واحتضن أصواتهم ووجوههم وقلوبهم وأثبت لنا أن الجذور الجميلة الضاربة في أحضان الموج مازالت تعيش وترتوي بالحب ولم تفلح لغة العولمة في طمس بقايا صور لا تزال عالقة في ذاكرة أبناء الخليج والأجداد غنوا الهولو واليامال وقضوا شهورا وأعواما وهم يبحرون على ظهر السفن لطلب الرزق وعرفوا مسارات واتجاهات البحر منذ القدم. هذه العلاقة القديمة بالبحر قدم التاريخ، هي التي عكست كثيراً من صور الكفاح والصمود وتعددت على صفحات هذا البحر حكايات الإنسان الخليجي الذي لم تستطع الصحراء الموحشة أن تحاصره بقفرها وندرة خيراتها، ولم توقفه أمواج البحر ومخاطره عن ركوبه، والسفر على متنه إلى المجهول، حيث يدنو من شواطئ يجهل أسرارها، وشعوب لا يعرف عنها شيئاً، ولم يكتف بهذا بل غاص في أعماق البحر بآلات وأدوات بدائية في أخطر مجابهات الإنسان مع الموت بحثاً عن الحياة.هذه العلاقة التي تجسدت في أبهى صورها وجمالها على السيف في مهرجان كتارا للمحامل التقليدية لتثبت لنا أننا ورغم كل محاولات إدخال هذا النشاط الاجتماعي والاقتصادي والبشري كله إلى المتاحف، وصفحات التاريخ ليصبح ذكرى عابرة تثيرها أحياناً أغنيات أو رقصات، هذا الواقع الذي تحول بأمر النفط ليصبح مجرد ظاهرة فلكلورية ونشاط تراثي يأتي هذا المهرجان من عام لعام ليذكرنا أن البحر مازال موجوداً، ومصايد اللؤلؤ لا شك زاخرة بما أودعه الله فيها من خيرات، وتراث الغوص أيضاً موجود، وفوق ذلك كله ما يمكن أن يضاف إلى هذا التراث من وسائل (التكنولوجيا الحديثة) لكي يبعث هذا الواقع من جديد أكثر تقدماً وتطوراً وازدهاراً، ولكي يصبح أحد المصادر الدائمة للاقتصاد في منطقة الخليج. يأتي ليقول لنا إن الإنسان الخليجي العاشق للبحر مازال موجودا والصوت الخليجي مازال يبدع في غنائه للبحر ومازال البحر يسكن هذا الصوت بعشق أزلي يأتي ليقول هكذا كان أبناء الخليج اتجهوا إلى البحر حين طاردتهم قسوة الصحراء، فأكلوا منه طعامهم، واستخرجوا اللؤلؤ المكنون، وسعت سفنهم تشق عبابه إلى آفاق بعيدة، ورزقهم الله من فضله، فجمعت بينهم سبيل الكفاح وسارت الآلاف من السفن تمخر العباب، وصحبوا معهم الإسلام الحنيف، وأقاموا صلواتهم على الشطآن في سواحل مترامية الأطراف، ورآهم من أراد الله لهم الهداية، فاعتنقوا الإسلام، وتأصلت في نفوسهم صلات الإيمان، والنسب، والجهاد فكانت رحلات الخير والجهاد والسلام.