03 نوفمبر 2025
تسجيلبدلاً من أن يركز مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان في دورة انعقاده الثامنة على القضايا الأساسية، اعتمد سياسة الهروب إلى الأمام وشغل الإعلام بقضية فصل ثلاثة من قيادييه الإصلاحيين الذين سبق أن انتقدوا علنا ما أسمته حكومة الرئيس عمر حسن البشير بالإجراءات الاقتصادية التي رفع بموجبها الدعم عن المحروقات مما تسبب في زيادة كبيرة في بقية السلع، كما شملت انتقاداتهم طريقة تعامل السلطات الأمنية مع المظاهرات الاحتجاجية التي صاحبت إعلان تلك الإجراءات القاسية، بل اتهمت مذكرة شديدة اللهجة الحكومة بالتنكر للأسس الإسلامية للنظام بقمعها الدامي للتظاهرات منتصف سبتمبر ومطلع أكتوبر الماضيين.. كان أمام مجلس الشورى الذي يفترض فيه هيئة قيادية عليا في الحزب، أن يبت في أمر تجديد للقيادات الحالية في الحزب، إذ يمنع النظام الأساسي عدم استمرار تلك القيادات في مواقعها الحالية لأكثر من دورتين بمن فيهم رئيس الحزب الرئيس عمر البشير؛ إذ كان الجدل يدور حول تعديل النظام الأساسي للحزب أو الالتزام بما نص عليه النظام الأساسي الحالي وبالتالي على الحزب أن ينتخب قيادة جديدة في المؤتمر العام القادم للحزب الذي تم تأجيله لهذا السبب، بما في ذلك رئاسة الحزب ومن ثم فإن مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية القادمة في أول العام 2015 لن يكون الرئيس البشير.. لقد كان من السهل تعديل النظام الأساسي وإفساح المجال للرئيس البشير للترشح لفترة رئاسية جديدة حتى 2020، لكن إغفال هذا الإجراء أشاع الكثير من الغموض حول حقيقة ما يدور في كواليس الحزب الذي ظل يحكم البلاد لما يقارب ربع قرن من الزمان. الرئيس البشير سبق أن أعلن عدم رغبته في الترشح، لكن ما أعقب ذلك من معطيات شككت في مدى صدقية هذه الرغبة أو أن قوى متنفذة في الدائرة المغلقة يهمها استمرار البشير في الرئاسة دون الأخذ في الاعتبار القراءة الموضوعية لمستقبل الخارطة السياسية في السودان وكذلك مستقبل حزب المؤتمر الوطني في الحكم.. إن تأخير البت في هذا الموضوع مع قرب موعد الانتخابات يلقي بضغوط متزايدة على قدرة الحزب على إدارة الدولة ومصداقيته في الالتزام بنظامه ولوائحه الداخلية قبل أن يطالب الآخرين بالالتزام بالمؤسسية، ومن المفارقة أن السبب الرئيسي الذي استند إليه الحزب في فصل الإصلاحيين كان اتهامهم بعدم المؤسسية وطرح مذكرتهم الإصلاحية عبر وسائل الإعلام لا عبر أجهزة ومؤسسات الحزب. البعض يرى أن بقاء الرئيس البشير في سدة الرئاسة أمر ضروري لبقاء حزب المؤتمر الوطني حزباً حاكماً؛ إذ إن البشير وهو القائد الأعلى للجيش وقاد انقلاب 1989 الذي أتى بسلطة الإنقاذ إلى الحكم لا يمكن تصور قبول الجيش برجل مدني يخلف البشير؛ فالبشير في رأيهم ضمانة قوية لولاء الجيش الذي ظل لاعباً أساسيا في السياسة السودانية منذ استقلال البلاد في العام 1956.. وبعد وفاة نائبه الأسبق الفريق الزبير محمد صالح في حادث تحطم طائرته في العام 1999، لم يتم تقديم رجل عسكري من قادة الجيش كرجل ثانٍ في الدولة، إذ ظل علي عثمان محمد طه نائباً أول خلفا للفريق الزبير منذ ذلك الوقت عدا فترة اتفاقية السلام وإلى ما قبل انفصال الجنوب، وهو رجل مدني يشكك المتحمسون لبقاء البشير رئيسا في ولاء الجيش له وبالتالي هناك ربط قوي وفقا لأولئك بين ضمان ولاء الجيش لحزب المؤتمر الوطني وبين استمرار البشير رئيساً للبلاد. في المقابل يرى البعض الآخر أن تلكم حجة ظاهرها حق وباطنها باطل يريد بها أصحاب المصالح استمرار البشير في الحكم لارتباط مصالحهم ببقائه في الحكم، وبالتالي فهم لا يتورعون بالزج بالبشير في أتون معركة قد تكون (خاسرة) حتى لو حصل على أغلبية الأصوات. الجدل الذي ربما يرقى إلى حالة من الصراع داخل حزب المؤتمر الوطني، يدور بين تيارين؛ تيار يرى ضرورة التغيير بيد أن التيار الآخر يحاول تجنبه.. ويبدو أن ذلك الجدل يثور بسبب فيروس عدم المؤسسية التي تمهد لانتقال سلس للزعامة بين الأجيال وقد أصاب هذا الفيروس من قبل جميع الأحزاب السياسية في السودان، وحزب المؤتمر الوطني برئاسة "البشير" ليس استثناء.. اليوم لا يعرف الناس من سيخلف "الصادق المهدي" رئيس حزب الأمة القومي والذي مضت على رئاسته للحزب مدة تجاوزت الأربعين عاماً، وكذلك الحال بالنسبة لمن يخلف "محمد عثمان الميرغني" رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي والذي قضى مدة مماثلة لمدة "الصادق المهدي"، كما ظل "محمد إبراهيم نقد" زعيما للحزب الشيوعي السوداني مدة مماثلة حتى وفاته قبل أكثر من عام. رغم ارتفاع أصوات أصحاب المصالح المرتبطة ببقاء الرئيس "البشير" في السلطة إلا أن كثيراً من الدواعي والشواهد تصب في اتجاه التغيير.. أهم ذلك عدم رغبة الرئيس "البشير" نفسه في الاستمرار في الحكم وقد كرر ذلك في مناسبات مختلفة مما حدا بدعاة التغيير أن يطرحوا رغبتهم علناً ودون مواربة.. المناخ الدولي والإقليمي وثورات الربيع العربي تدفع عددا من راسمي الإستراتيجيات داخل حزب المؤتمر الوطني لطرح التغيير باعتباره محوراً مهماً في خطط مواجهة الأزمات التي تواجهها البلاد، وأن التغيير يمثل فرصة لالتقاط الأنفاس باعتبار أن ذلك التغيير يجعل الفرصة مواتية أمام صفحة علاقات جديدة مع الدول الغربية التي ظلت مناوئة للسودان.