03 نوفمبر 2025

تسجيل

أنقرة تنعي الحل الكردي

23 نوفمبر 2013

تفاعلت الزيارة "التاريخية" التي قام بها إلى ديار بكر في تركيا رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني بدعوة من رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان. من الواضح أن اللقاء المفاجئ وغير المسبوق بين مسؤول تركي وزعيم كردي وفي ديار بكر بالذات أخفى الكثير من الحسابات والأهداف المتعددة الأبعاد. ومع انتهاء الزيارة وعودة "الأفكار إلى الرؤوس" بات ممكنا التفكير بطريقة مختلفة إلى الأمور من جانب كلا الطرفين التركي والكردي. ولكن لفت أنه بعد أيام قليلة لا تتعدى الأربعة كان رئيس البرلمان التركي جميل تشيتشيك وهو في الوقت نفسه رئيس لجنة تعديل الدستور يعلن موت عمل اللجنة واستقالته منها وانسحابه النهائي وهو ما يعني حل اللجنة وطي جهود الإعداد لدستور جديد. وبهذه الاستقالة ينطوي أيضا الشعار الأبرز الذي رفعه أردوغان في الانتخابات النيابية الأخيرة في يونيو 2011 بأن أهم عمل سيقوم به هو إعداد دستور جديد مدني يطوي الدستور الذي وضعه العسكر في العام 1982 ولا يزال العمل به قائما رغم التعديلات الكثيرة التي طرأت عليه. دلالة حل اللجنة برأيي يرتبط ارتباطا وثيقا أو على الأقل له نتائج مباشرة على تطور مسار القضية الكردية في تركيا. الآمال التي ارتفعت من لقاء ديار بكر بين أردوغان والبرزاني بشأن تخفيف حدة الاحتقان التركي مع الأكراد في تركيا كما مع أكراد العراق وسوريا، لا يبدو أنها كانت في محلها. وبدا الجزم واقعيا في أن اللقاء انعقد على عجل لأهداف خاصة بأردوغان والبرزاني. أردوغان أراد من اللقاء أن يظهر لزعماء أكراد تركيا المؤيدين لحزب العمال الكردستاني أنهم لا يمثلون وحدهم الأكراد وأن البرزاني هو زعيم أكراد المنطقة وليس أوجالان. وهي محاولة لممارسة الضغوط على أوجالان وإخراجه من المعادلة التركية الداخلية. وهذا أمر لا يساعد على حل المشكلة الكردية في تركيا بسبب أن غالبية الأكراد وتصل إلى 70 في المئة تؤيد أوجالان والأحزاب التي يدعمها. هذا الواقع أراد أردوغان، بلقاء البرزاني، أن يكسره أو يعدل فيه لصالح كسب بعض الأصوات الكردية في الانتخابات البلدية المقبلة المقرر أجراؤها في مارس 2014. الهروب من مواجهة الاستحقاق الكردي والاعتراف بحقوق الأكراد وفي مقدمتها الحكم الذاتي تجلى في أن لفظ أردوغان للمرة لمصطلح "كردستان" عند الإشارة إلى صفة البرزاني كحاكم لـ"إقليم كردستان العراق" لم يكن جديا. إذ إن رئيس بلدية ديار بكر عثمان بايديمر قال إنه ما دام أردوغان أشار إلى "كردستان العراق" فإن المناطق الكردية في تركيا ليست سوى "كردستان تركيا". ورد أردوغان بحدة قائلا إنه لا يوجد في الدستور التركي هذا المصطلح، بل يوجد "إقليم جنوب شرق تركيا". هذه المفارقة في الموقف التركي في الاعتراف بـ"كردستان" في العراق أو إيران ورفضها في تركيا تنسحب على مثال آخر وهو الاعتراف بالفيدرالية الكردية في العراق وهي أكبر وأعلى بكثير من مجرد "حكم ذاتي" وعدم الاعتراف بالحكم الذاتي الذي أعلنه أكراد سوريا ورفض أي تفكير بمنح الأكراد في تركيا أي شكل من أشكال الحكم الذاتي وهو مطلب رئيسي لهم في المفاوضات مع الدولة التركية. وبعدما قال أردوغان في مهرجان ديار بكر إنه سوف يخلي السجون من المعتقلين فسّرت الخطوة بأنها إصدار عفو عام عن معظم المعتقلين الأكراد. لكن أردوغان أحبط المتفائلين بقوله إنه ليس في قاموسه عفو عام. بعد حسابات ديار بكر الانتخابية جاء حل لجنة تعديل الدستور ونعي أعمالها ليوجه ضربة قوية إلى حل المشكلة الكردية، ذلك أن من أهم مطالب الأكراد هو الاعتراف بالهوية الكردية وإدراج ذلك في الدستور لضمان تطبيق هذا الاعتراف. وهنا بدا حل لجنة إعداد الدستور هروبا من جانب الحكومة من استحقاق مواجهة المطالب الكردية لتدخل المسألة الكردية في متاهات جديدة ولتستمر النظرة الإنكارية لهوية 12 مليون كردي في تركيا. ولتستمر الحكومة التركية في التعامل مع الأكراد على أنهم مجموعة من الإرهابيين وليسوا طلاب عدالة.