21 سبتمبر 2025
تسجيلتجتمع دول العشرين دوريا، آخرها في جنوب فرنسا منذ أسابيع، لمعالجة المشاكل الدولية الناتجة خاصة عن الأزمة المالية العالمية. عاش العالم عقدين طويلين من الازدهار أي منذ سنة 1990 حيث تحقق نمو قوي خاصة في الدول الناشئة. اعتمد الازدهار على التقدم الذي حصل في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا بالإضافة إلى تخفيض الرقابة والقيود. نتج عن هذا الواقع ارتفاع في الإنتاجية وزيادة في رؤوس الأموال المتنقلة دوليا وانخفاضا في تكلفة الاقتراض وتوزعا متنوعا للاستثمارات. خلال فترة 1993 \\ 2002، نما الاقتصاد الدولي سنويا بنسبة 3.3% موزعة على 2.8% للدول الصناعية و4.1% لمجموعة الدول النامية والناشئة. لا شك أن النسب تختلف بين منطقة وأخرى بل بين دولة وأخرى، إلا أن الاتجاه واضح صعودا. في نفس الفترة، ارتفع حجم التجارة الدولية حوالي 6.5% سنويا مما أسهم في تقليص فجوة الدخل بين الدول، إلا أن الفجوة ارتفعت داخل الدول بحيث انخفضت نسبة الأغنياء وارتفعت نسبة الفقراء. اقتراب المعدلات بين الدول جيد شرط أن تستفيد منه كل الطبقات الشعبية، وهذا ما لم يحصل بسبب القوانين الاقتصادية المبنية على الرأسمالية المتطرفة وعلى ضعف الرقابة. من أهم مساوئ العولمة اتساع الفجوة داخل الدول بين الأغنياء والفقراء. كان لا بد لهذا النهار الطويل من أن ينتهي بسبب سوء الممارسة واعتماد العقيدة الليبرالية غير الإنسانية المبنية على الجشع، أي تماما عكس ما أوصى به مؤسسوها أعني بهما "آدام سميث" و "فريديريك فون هايك". كتب "آدام سميث" كثيرا عن الجشع وضرورة تعزيز المنافسة لضرب الاحتكارات وتخفيض الأسعار. قلق سميث مما كان يحصل من استغلال للعمال في حقوقهم وأجورهم، وبالتالي كان له حس اجتماعي متقدم. في كل حال نتج عن ممارسات اليوم تغيرات أربعة كبيرة في الاقتصاد الدولي أي أزمة مالية خانقة أصابت كل العالم وفي مقدمتها أوروبا. تشير الأزمة إلى ارتباط وثيق بين المؤسسات المالية الدولية وأن أي مشكلة جدية في مكان ما تنتشر دوليا. ثانيا، انحدر ثقل الولايات المتحدة الاقتصادي الدولي من الثلث إلى الخمس بسبب سياسات الداخل التي عززت الاستهلاك على حساب الاستثمارات، ثالثا تحقق ركود قوي في أكبر الدول الغربية خاصة في سنة 2009 أي انخفض الناتج بنسبة 3.5% في الولايات المتحدة، 4.3% في منطقة اليورو و6.3% في اليابان. في الوقت نفسه ورابعا استمر النمو القوي في العديد من الدول الناشئة حتى في سنة 2009 أي نمو قدره 7.2% في آسيا و2.6% في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا و2.8% في إفريقيا. انقلب الوضع الاقتصادي الدولي وتغيرت هوية وثقل مراكز القوى بشكل واضح منذ بداية الأزمة. من الممكن أن تكون الأوضاع قد تحسنت بدأ من سنة 2001 ليس في كل المناطق وإنما كمعدل دولي، إذ تبلغ تقديرات النمو تبعا لصندوق النقد حوالي 4% بينها 1.6% في الدول الصناعية. لكن رغم هذا التحسن يبقى الوضع الدولي ضبابيا بل قاتما إذ لا يمكن للنمو وحده أن ينقذ الاقتصادات بل أن يحل مشاكل 7 مليارات مواطن في مقدمتهم الطبقات الوسطى وما دون. ما هي أسباب هذا الوضع وما هي مصادر القلق الواضح على وجوه الشعوب وقطاعات الأعمال كما الحكام الذين فقد بعضهم حتى لذة أو واجب طمأنة المواطن ربما لأن العوامل الموضوعية والقرارات الصائبة غائبة؟ أولا: البطالة التي ارتفعت إلى معدلات جديدة غير مسبوقة أي 9.1% في الولايات المتحدة، 5% في اليابان و10% في منطقة اليورو بينها 21% مثلا في إسبانيا. لا يمكن لأي حاكم أن يتعايش مع نسب بهذا المستوى، ولابد للانتخابات القادمة في إسبانيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من أن تبرهنها. تؤدي نسب البطالة ليس فقط إلى تعثر الإنتاج كما الاستهلاك، بل تحدث مشاكل اجتماعية لا يمكن للحكومات تطويقها أو استيعابها. ثانيا، تعثرت الأوضاع المالية للدول مما يفقدها القدرة على التدخل في الاقتصاد لدفع عجلة النمو عبر الإنفاق الاستثماري كما الجاري. تبلغ نسب الدين العام من الناتج معدلات مقلقة جديدة حيث تصل إلى 100% في الولايات المتحدة، 233% في اليابان، 89% في منطقة اليورو، بينها 121% في إيطاليا التي ينازع اقتصادها اليوم. تقع هذه الدول في مشكلة جدية أي تجبر على التقشف بسبب الوضع المالي السيئ مما يفقدها قوة التدخل لمحاربة الركود وتخفيف البطالة. هذا مأزق جدي تعاني منه كل الدول الصناعية بما فيها ألمانيا. ما العمل؟ هل تعطى الأفضلية للوضع المالي أم للنمو؟ في رأينا يبقى النمو والبطالة أهم من التوازن المالي وبالتالي معالجتهما هي أولوية يفرضها المنطق والاستقرار الاجتماعي. ثالثا: هنالك مشكلة تضخمية تكمن في ارتفاع أسعار المواد الأولية وفي مقدمتها الغذائية. أسوأ من ارتفاع الأسعار هو زيادة حدة التقلبات المضرة جدا بمعيشة الفقراء. يبقى مؤشر الغذاء الذي يصدره البنك الدولي 19% أعلى من مستوى 2010، منه ارتفاع 30% لسعر القمح، 43% للذرة، 16% للقمح و26% لزيت السوجا وهي المواد الأساسية للفقراء. إذا أضفنا إليه الفيضانات الحاصلة في تايلاندا التي ضربت الإنتاج بما بين 16 و24% والمشكلة المزمنة في إفريقيا، يتبين لنا حجم المعاناة الحاصلة التي ستزداد عند الطبقات الوسطى وما دون. العامل الوحيد الإيجابي في هذا الإطار هو بقاء المخزون مرتفعا، كما ازدياد الإنتاج في بعض المناطق كالأرجنتين والبرازيل وروسيا وأوكرانيا كما الهند يخفف الضغط على الأسعار. رابعا: تعزز الخلل الدولي بين المناطق مما يشير إلى ضرورة إيجاد مصادر جديدة للنمو. تجنبت الحكومات أخطاء الثلاثينات بعد أزمة 1929 أي عززت السياسات الاقتصادية من مالية ونقدية كما زادت من التنسيق بين الدول والمناطق بإشراف المؤسسات الدولية الأساسية وخلقت مجموعة دول العشرين التي تمثل العالم العربي فيها بالمملكة العربية السعودية. أسهمت هذه الوقائع في تعاون الدول لرفض كل أنواع الحمايات والمساهمة الجماعية في مساعدة الدول الفقيرة لأن تدفق الأموال خف مع الأزمة. كما تتعاون الدول العشرين لإيجاد تشريعات جديدة تخفف من المخاطر وتساهم في خلق أجواء مساعدة على النمو. من هذه التشريعات المحتملة والمدعومة فرنسيا هي وضع ضريبة بنسبة أقل من 1% على رؤوس الأموال القصيرة الأجل المسببة للتقلبات، شرط أن تذهب إيراداتها لدعم التنمية. لن يكون هدف مجموعة العشرين إلغاء العولمة، وإنما جعلها أكثر عدالة وأقل خطرا وأكثر ديمقراطية. ما هي توقعات النجاح بالنسبة للمجموعة؟ تضم المجموعة 10 دول صناعية و10 ناشئة تمثل 90% من قيمة البورصات و80% من حجم التجارة العالمية و85% من الناتج العالمي و66% من عدد سكان العالم. هنالك من يعترض على هوية الدول العشرين وكيف تم اختيارها أي المعايير المعتمدة، إذ هنالك حوالي 170 دولة خارجها وربما يرغب بعضها في الدخول إلى النادي. اختيار الأعضاء مهم إذ أن قرارات المجموعة يجب أن تنفذ دوليا كي تكون فاعلة، وبالتالي أن شرعية الأعضاء مهمة للمصداقية والمتابعة والتنفيذ. المهم هو أن تحدد المجموعة أهدافا واضحة لها وتخلق هيكلية فاعلة للعمل كما تسعى لإيجاد مناخات مساعدة للتنفيذ عبر تعزيز التواصل فيما بينها. لا شك أن إدارة عالم ذات قوى كبيرة متعددة هي أصعب بكثير من إدارة عالم تسيطر عليه قوة واحدة كما كان الحال سابقا مع الولايات المتحدة وكما يمكن أن يكون الحال عليه مع الصين مستقبلا. فشل مجموعة الدول العشرين مضر جدا إذ يكشف الاقتصاد الدولي ويعرضه أكثر للمخاطر. هنالك مصلحة دولية في إنجاح المجموعة التي يمكن أن تنسق أيضا مع الدول غير الأعضاء كل في قارته كي تتعزز النتائج تأليفا وتطبيقا.