08 أكتوبر 2025

تسجيل

سقف الدين الأمريكي وضعف النظام الغربي

23 أكتوبر 2013

دائما كانت الديمقراطية هي عنوان القبول بالمفارقات، ولكن وخلال الفترات الماضية، تبين لي قصور فكرة الديمقراطية، عندما تكون هناك حاجة ملحة وعاجلة وتحتاج إلى قرار، فالدين الأمريكي آخر المؤشرات على أن الديمقراطية، كفكرة لإدارة الشأن العام، قد آتت أكلها وأصبحت غير قادرة على معالجة مشكلات الحاضر، ففي الوقت الذي تراشق الجمع الأمريكي، بالاتهامات والاتهامات المضادة، تتفرج دول العالم على الدولة العظمى وهي غير قادرة على حل مشكلاتها، فكيف بها تحل مشاكل الغير، وفي الوقت الذي تهتز فيه صورة أمريكا ومعها صورة الديمقراطية، يقف العملاق الصيني يلقي بظلاله على المشكلة، فهو يملك ما قيمته تريليون وثلاثمائة مليون دولار من الدين العام الأمريكي، فهو شريك في كل ما تعمله أمريكا، بل إن المستهلك الأمريكي هو أحد أهم مصادر الاستقرار للصين واستمرار نموها الاقتصادي، فإذا أصيب الاقتصاد الأمريكي بأي عرض فإن احتمال إصابة الاقتصاد الصيني أكيدة، إذا فإنه حين يتعامل السياسيون الأمريكان بغير مسؤولية تجاه أمريكا أولا والعالم ثانيا، فإن صورة أمريكا والغرب ومخاوف العالم تقترب من حافة الهلع، والسياسيون والاقتصاديون حول العالم يشاهدون الدراما تتفتح أمامهم في ذهول أمام تردي النموذج الأمريكي ومعه كل ما يحمل، من نظام سياسي واقتصادي وقدرة أمريكا على القيادة ولو على مستوى الروح المعنوية. ما ننظر إليه من مشهد يشي بما هو قادم، نهاية المنظومة الأمريكية الغربية، وبزوغ نظام جديد آسيوي يجدد السعي الإنساني إلى التقدم والرفاه، نحن نشهد عدم قدرة النظام القديم على استيعاب الأحداث اليوم، وقد تكون هناك مؤشرات في الربيع العربي وما شابه من تردد وعيوب قد تكون بسبب تبني نظام عالمي قديم لم يعد قادر على إدارة الأحداث، وقد يكون النظام هو ذاته ولكن تطلعات العالم والإنسانية تعدته، وهي اليوم تصبو إلى نظام عالمي جديد، وأساليب إدارة للشأنين العام والخاص مبتكرة ومبدعة، تبني على النظام القديم ولكن تحدث تغيرات جذرية تمكن البشرية من الاستمرار بأقل كلفة، وهذا ما سنشهده بعد تردي الغرب عامة وخروج بقية العالم من تحت عباءته، ولهذا قد نشهد الصين تقوم بخطوات من أجل خلق عالم جديد له معاييره ومرجعياته تختلف عما بناه الغرب في الماضي، وهذا الوقت قد حل، خاصة أن الصين ومعها العالم لم يعد يقبل بسوء ما تقوم به دول الغرب، والنظام الغربي في الأمم المتحدة أو مؤسساتها أو آلياته مثل صندوق النقد والذي تنسب له الكثير من المشاكل ومفاقمتها بسبب تعنته وتوجهه التوجهات الغربية، وكذلك مجلس الأمن ولذلك فإن نظاما جديدا قادما وعلى أسس مختلفة أصبح قائما، وما تقوم به الصين داخليا حيث استطاعت النجاح في قيادة اقتصاد رأسمالي ولكن بنكهة شيوعية فهل ستستطيع الصين خلق نظام جديد قائم على الاقتصاد الحر وجعله يأخذ الروح الاجتماعية في الحسبان، والجمع بين ما هو حسن في الرأسمالية وما هو حسن في النظام الشيوعي، هذا ما سنشهده في الأيام القادمة ففي الوقت الذي تفقد فيه أمريكا والغرب رؤيتها ورسالتها، تظهر علينا الصين بمظهر الواثق في نموذجه من خلال النجاحات التي حققتها على مدى العقود الماضية، وفي الوقت الذي تتعاقب على العالم سقطات وهفوات وأزمات الغرب، وتتضح الفجوة بين ما يدعو له الغرب، وما يقوم به من سلوك، فالفساد وخاصة ما تعرض له العالم من أزمة مالية في ألفين وثمانية، بسبب الديون السيئة والتي كانت نتيجة الفساد في النظام المالي الأمريكي، وما يتعرض له العالم من ضغوط وهزات بسبب العراك السياسي في الكونغرس، وتبعات ذلك على النظام الاقتصادي العالمي، لم يعد أي سياسي أو حكومة في حل من أعماله. الاقتصاد العالمي أصبح في تشابك وترابط شديد، أصبح من المنطقي دعوته اقتصادا واحدا متكاملا، وأي تراخٍ أو تردٍ في أي اقتصاد يؤثر على اقتصادات العالم أكثر من أي وقت مضى، وهنا العالم لا يملك إلى أن يحاسب كل من قد يتسبب في ركود أو أزمة اقتصادية، واليوم من الواضح أن النظام القديم في طريقه إلى أزمة جديدة إذا لم يترفع المشرعون الأمريكيون عن مصالحهم الحزبية الضيقة، ستكون أسوأ بكثير من أزمة الديون العقارية السيئة الماضية، ولذلك فسوف تكلف أزمة سقف الدين الأمريكي أمريكا ما بقي من سمعتها أمام العالم، وعلى إثر ذلك سوف تسعى بلدان العالم للتخفيف من اعتماد الاقتصاد العالمي على أمريكا والغرب، وهذا التيار يجري منذ عقود، فالاقتصاد الأمريكي والذي كان يملأ حيز النصف تقريبا أصبح أقرب على خمسة عشر في المائة من الاقتصاد العالمي وفي تراجع مع نمو بلدان آسيا والشرق الأوسط، ولذلك فإن الظروف ملائمة من أجل إحلال نظام عالمي آخر، حيث لم يعد العالم ينظر لأمريكا وأوروبا للحلول بل أصبح يتخوف منها كمصدر للأزمات والتي ما زالت تزحف في أوروبا ومؤسساتها، وقد تؤدي إلى تراجع لتلك الاقتصادات لا عودة منه.