17 سبتمبر 2025
تسجيلانيس منصور أثرى الثقافة العربية بفكره ومقتل القذافي عبرة للطغاةكان العالم يبتهج بسقوط أحد رموز الطغيان في العصر الحديث فقد رحل القذافي في نهاية مشابهة للديكتاتور الروماني نيكولاي تشاشيسكو الذي حكم رومانيا مابين عام 1965 م حتى 1989م حينما قامت ضده ثورة عارمة أنهت حكمه الطاغي واعدم هو وزوجته على مرأى العالم بعد محاكمة عسكرية دامت ساعتين فقط أدين فيها بجرائم كبرى ضد الإنسانية وضد بلده رومانيا فقتل الرجل بالرصاص والعالم يتابع المشهد عبر شاشات التلفزة , كانت الحادثة مرعبة لكل من في نفسه شك من حكام العالم أو من حكم شعبه بطريقة الظلم والاستبداد واستحواذ المقدرات إلا أن حالة النسيان يبدو أنها لا تصيب الأفراد فقط بل حتى الأنظمة والحكومات ينالها نصيب من ذلك فتقع في شرك الحالة ويتكرر المشهد بعد حين كما حدث الخميس الماضي للعقيد القذافي لتظل أعماله وخطبه ونياشينه وألقابه وحسناوات حرسه النسائي وكتابه الأخضر شواهد عليه ضمن الكثير من المواقف والأحداث التي لازمت 42 عاماً لحكمه الغريب في ليبيا , ومع نهاية القذافي سجل التاريخ أيضاً حدثاً أخر بوفاة الأديب العربي الكبير أنيس منصور صاحب القلم المميز الذي طرق عموم فنون الأدب وأثرى مكتبتنا العربية بسلسلة من الإبداعات التي ستبقى خالدة تحمل اسمه ونكهة الكتابة الخاصة التي لازمته حيث يقدم لقرائه بين سطور كتاباته المعلومة الجميلة بعد إن جاب العالم مابين شرقه وغربه وعرف عادات الكتاب العالميين فذاك يكتب واقفاً وأخر يكتب بحثالة فناجين القهوة وأعواد القش . كان الربيع ملتهباً في أكثر من عاصمة عربية أوصل بعض حكامها إلى نهايات متباينة في المشهد بينما كان في صدر منصور التهاب رئوي أوصله إلى القبر بعد 87 عاماً من الحضور كان جلها مميزاً على صفحات الصحف و زواياها بل كان للرجل قبول في كل الأوساط حتى بين الحكام فيما بعد مرحلة الرئيس جمال عبدالناصر التي أقصي فيها بعيداً عن حراك المنطقة بينما ظل شاهداً بقلمه على تلك المرحلة وشجونها بعدما قربه الرئيس السادات ومن بعده الرئيس مبارك الذي كان يوفده في مهمات سياسية عدة ويرافقه في زياراته الرسمية ليستفيد من رؤاه السياسية وحضوره بين أوساط الساسة فقد كان منصور يكتب ويقول ما يراه ويقتنع به فقط مهما كان لمن حوله من آراء بل كان لمنصور نكهة حضور في المجالس كامتداد لمزاجيته الخاصة في الحوار والكتابة والنوم والطعام أيضا فهو لا يأكل اللحوم أبداً كما يقول وقد علل ذلك أحد المتابعين له بقوله إن أنيس لا يأتي في أعراض الناس بالخوض فيما لا يحبون لذلك حرم لحومهم على جسده وحرم كل اللحوم الأخرى تبعاً لذلك , فيذكر أنيس انه رافق الرئيس مبارك في رحلة عمل للسعودية للقاء الملك فهد إبان فترة الغزو العراقي للكويت وقد أولم الملك لضيوفه مائدة ملكية فاخرة فظل منصور يمارس طقوسه الخاصة ويتلهى عن الأكل حتى انتبه إليه الملك فهد الذي مازحه بالسؤال عن السبب ليرد " تخيل جلالتك إن أظل جائعا على مائدتكم العامرة " فأشتهى منصور الجبن فقط حسب عادته لتحضر له عاجلاً عربة تحمل أصناف الجبن وأشكاله فأكل ملياً ورصد من خلال الموقف حدثاً سطره للقراء يحمل مضامين شتى تبرز فيها علاقة الأدب بالسياسة وأهمية تلك العلاقة لتبسط للعامة ماهية الحدث والحوار بين الساسة فكل مدونات منصور وكتاباته العديدة المطبوعة تفتح نافذة واسعة من الفهم للقراء عرب وأجانب عن سبل معاشهم وفلسفة حياتهم وعلاقاتهم كشعوب وأمم , مات أنيس منصور يوم الجمعة الماضي وسبقه بيوم إلى دار الأخرة الرئيس القذافي راسمين مفارقة عجيبة بين حالتين في المعاش وفي شكل النهاية ليظل خبر وفاتهما متزامناً فقط بينما لوفاة القذافي تبعات وأحداث خالدة تحمل لمن يسمح لفكره مطالعة العبرة واقتناص ما تحمله من مضامين فحركة الزمن مستمرة ويبقى التاريخ شاهداً , فرحم الله أنيس منصور وحفظ للشعب الليبي الشقيق مبادئ ثورته وقيمها التي تعاطفت معها شعوب العالم ودوله لتعود ليبيا إلى حياض الأمة والعالم دولة فاعلة بعيداً عن مؤامرات القتل وغياب السلطة العاقلة والعبرة لمن يعتبر طالما يبقي الربيع العربي ملتهباً في بعض عواصمنا [email protected]