12 سبتمبر 2025
تسجيلأمّاه.... قبل أن يخط قلمي الكلمات، دعيني أقبّل يديكِ، إنما هي مجرد قبلة أطبعها على (كفيكِ بحساب وقتها) لا تتجاوز جزءاً من الثانية، ولكنها بحساب لهفتي عليكِ؛ فهي راحة أبدية وطمأنينة ترفرف بهوائها ونسائمها على قلبي. أمّاه... أكتب رسالتي إليكِ، بعد رحيلكِ عن عالمي، وكم تمنيتُ أن أضعها بين يديكِ، وأنظر إليكِ وأنتِ تقلبين أوراقها وتتأملين كلماتها، دون معرفة ما كُتب فيها، فأنتِ من زمنٍ لا يهتم بالكلمات، ولا تعنيه العبارات، تتقنين فن قراءة الوجوه، وتشعرين بما يختلج في الضمائر، وتُعبرين عن رأيكِ بهدوء ووقار، وإذا نطقتِ أوجزتِ وأقنعتِ، ولا تكررين الطلب مرتين، ولا يُشغلكِ ما يُقال ولا تخوضين في ما يقولون، زمنٌ الصمت فيه أفضل الشعائر، وطهارة القلب أعلى المراتب، ومع ذلك أصرُّ على كتابة رسالتي إليكِ، ولكني أسأل نفسي لماذا أكتبها إذا؟ وأجيبُ نفسي: أكتبها إليكِ كي يقرأها غيركِ. أمّاه.... اعذريني على مقدمتي؛ فأنتِ تعلمين طبعي أحب الإسهاب في التوضيح، وتطلبين مني دائماً عندما ألقي عليك الشرح المفصل الطويل، أن أختصر، ولكن ما باليد حيلة فطبعي يغلبني دائماً. أمّاه... سأبدأ بوصفك واغفرِي لي ذلك؛ فأنتِ فوق الوصف كله، ولو جمعت أبيات الشعراء في وصفك، وأقوال الحكماء في مدحك ما أوفيتُ حقكِ. أنت درة مضيئة في السماء تنير النجوم من حولها، عند وجودكِ ليس للظلام حيلة؛ ليس أمامه سوى الهروب، قلبك الطاهر بيتي الأنيق، وحبكِ لي شمسي الدافئة في زمهرير الشتاء القاسي، وخوفكِ عليَّ سلسبيل عذب يتدفق في جوفي ليطفئ لهيب عطشي. أمّاه... تعلمين كم أحبك، وأعلم أنّ حبكِ لي أكبر، وتعلمين كم أشتاق إليكِ وشوقكِ إليّ أكثر، وتعلمين مقدار خوفي عليك، وأعلم أن خوفكِ عليّ أعظم. أمّاه..... يوم فقدتك شديد الحزن تملكني، وأخذ مني كل مأخذ، وانهمرت دموعي كسيل جارف لا أستطيع كبح جماحها. ولكن أتعلمين ؟ رغم ذاك الحزن العميق (سأخبركِ بسرٍ لم أبُح به لأحد) كنتُ سعيداً بفقدكِ!! ولكن مهلاً لا تستعجلي وتغضبي علي كعادتك.. اسمعي السبب فربما يبطل العجب؛ إنّ سبب سعادتي لأنكِ تعلمين كم سأحزن على فقدكِ، ولكني أعلم أن حزنكِ على فقدي أعمق؛ لذلك أحمد الله أني فقدتكِ قبل أن تفقديني، وذقتُ مرارة الفراق وأنتِ مطمئنة القلب ساكنة الفؤاد. أمّاه.... سأخبركِ عن حالي بعد رحيلكِ، وسأختصر على غير عادتي؛ لقد تركتِ فيّ فراغاً لا يمكن ملؤه أبداً. أمّاه..... أخيراً سأودّعكِ بكلمات ٍكتبتها لحظة الفراق، تصف ذاك المشهد الحزين وأنتِ على وشك الرحيل، وإني على يقينٍ أنها ستعجبكِ كثيراً وستثنين علي وتدعين لي بالتوفيق كعادتك، ولكني تذكرت أمراً قد نسيته يا أمّاه..... واحسرتاه ؛ لقد حُرمتُ من دعائكِ بعد رحيلك عني... أمّاه مهلاً لا تغمضي عينيكِ مدي يديكِ قبل الرحيل أمّاه اشفقي على من حولكِ فليس من شيمكِ الرحيل أمّاه هلّا بقيتِ فيطيب خاطري أم أقول وداعاً سألقاك أمّاه يامن رحلتِ عن ناظري وأصبحتْ مقلتي سكناك