19 سبتمبر 2025
تسجيلحَفِل الأسبوع الماضي بصخب وضجيج أممي لكنه بدون طحين.. كل عام في الوقت نفسه تحُج وفود دول العالم إلى نيويورك لاهثة خلف سراب العدل والحرية والسلام.. ظلت هذه الوفود كل عام تقتفي أثر سراب تحسبه ماءً.. هذا العام خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الحجيج كما خرج فرعون في قومه يوم الزينة.. ويوم الزينة في التاريخ هو ذلك اليوم الذي ضرب فيه سيّدنا موسى عليه السلام موعدًا مع فرعون ليلتقيا فيه ويعرض كلاهما ما لديه من سحر ومعجزات فتكون الحُجة للغالب فيهما على المغلوب، وقد ورد في القرآن ما يشير إلى تلك الحادثة بقوله تعالى:"قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى"، ولكن في تلك القصة لم تكن الحجة لتردع فرعون وتجعله يرعوي بل أبى واستكبر وزاد كفرًا.انعقدت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة 72، من 19 إلى 25 سبتمبر الحالي، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على تأسيسها، بدت المنظمة الدولية عاجزة أمام التهديدات العالمية وحلّ الأزمات الدولية وتحقيق الأمن والسلم الدوليين.. الجمعية العامة كيان هلامي مكون من 8 لجان تجتمع وتنعقد لتنفيذ وظائفها واسعة النطاق، وعلى أرض الواقع فإن هذا الاتساع لا تكاد تلمسه إلا في أدبياتها ذات الإنشاء المستطرد والتي ما إن تتطلع عليها تظن أن العالم كله يعزف نشيدا، بيد أنه ينزف دما يجري أنهارا ويعزف ألحانه تجسد الدمار والظلم والاستبداد. وحده يقف عام 2017 حافلًا بأحداث جسام، ففي الخليج، تشنّ أربع دول، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، هجومًا ضدّ قطر وشعبها وحصارا لا مثيل له في التاريخ المعاصر.. الهجوم لم يوفّر أيّ أسلحة غير شرعية، من القرصنة والفبركة والافتراءات وتشويه السمعة والحصار، والعمل على زعزعة استقرار قطر الآمنة.. في شرق آسيا، لا ينفكّ زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ مطلقا التهديدات والصواريخ، ليردّ عليه الرئيس ترامب، بتهديدات أكثر عنترية وجنونًا.المدهش حقا أن قرارات الجمعية العامة تتمتع في أحسن الأحوال بتأثير معنوي وليس لها صفة الإلزامية، ولا تستطيع.. لا تستطيع أن تجبر أي دولة من دول العالم بتنفيذ مضمون قراراتها. أما مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فهو الكيان الخاص الذي يأخذ كافة القرارات المهمة والملزمة على الصعيد الدولي. ويتكون المجلس من 15 عضوا منهم خمسة أعضاء دائمين ولهم حق النقض (حق الفيتو) لانتصاراتهم التي تحققت في الحرب العالمية الثانية وهم: روسيا، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. بينما هناك عشرة أعضاء غير دائمين ينتخبون كل عام وليس لهم حق النقض.. أعضاء الأمم المتحدة 193 دولة قراراتهم غير ملزمة بينما أعضاء مجلس الأمن 15 عضوا وقراراتهم ملزمة وفقا للمادة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة.. هذه الوضعية الشائعة كفيلة باستدامة الظلم وحالة الاضطراب الدولي والوقوف على شفى حرب عالمية لا تبقي ولا تذر. في يوم الزينة هدد ترامب، فرعون هذا الزمان بمحو دولة كوريا الشمالية من على وجه الأرض، ولم يسبق في تاريخ الجمعية العامة أن هدد أحد بتدمير دول أخرى تحت أي زعم.. وأصر ترامب مجددا على ربط الإسلام بالإرهاب وتعمد عدم الاعتراف بحقيقة أن الإرهاب لا دين له، ولم يشر بقريب أو بعيد للإرهاب الذي يتعرض له مسلمو الروهينجا في ميانمار.أمير قطر، الذي كان سفره إلى نيويورك تأكيدا على صمود قطر في وجه الحصار وصلابة الجبهة الداخلية القطرية وعلاقة الثقة المتبادلة بين الشعب القطري وقيادته، أشار بشجاعة لم يمتلكها كثير من الرؤساء إلى أن جرائم الإبادة الجماعية هي القاعدة لا الاستثناء.. ونبّه أمير قطر إلى قيام دول باحتلال أخرى، ووقوف أخرى موقف المتفرج من الجرائم ضد الإنسانية، حيث إن الشعوب التي تتعرض للقمع تواجه مصيرها وحدها، في ظل غياب نظام لتطبيق القانون الدولي.