07 أكتوبر 2025

تسجيل

إيران ودرس سوريا: مصالحة الغرب للاستقواء إقليمي!

23 سبتمبر 2013

تتغير الحكومات في إيران لكن ما لا يتغير هو استمرار صعود إيران في المنطقة وتزايد نفوذها. سواء أكان الحكم في طهران متطرفا بقيادة أحمدي نجاد. أم معتدلا بقيادة حسن روحاني فإن مسار السياسة الإيرانية يبدو متجها في ذات الخط التصاعدي. ليس ثمة عبقرية خاصة تميز تلك السياسة تقودها إلى إنجازات من نوع مختلف. بل هو الفراغ الإقليمي العربي وضعف الدول العربية هو الذي يغري دولا إقليمية مثل إيران وتركيا كي تحتلان موقعا متميزاً في قلب النفوذ الإقليمي. مُضافا إلى ذلك غباء السياسة الأمريكية في العراق التي انتهت إلى تقديمه على طبق من فضة لطهران ونفوذها. خلال فترة حكم نجاد اختلطت السياسة الإيرانية وتوسعها الإقليمي بنبرة أيديولوجية دينية وشعارات وتهويمات الرئيس نفسه الذي كان يعيش عالمه الغيبي الخاص به. في السياسة ليس اخطر من رجل يعتلي هرمها وتقوده أحلام أو أوهام الأيديولوجيا ويظن أن الغيب أوكل إليه مهمة إصلاح الكون. كان نجاد يعتقد أنه قائد جيش المهدي المنتظر وأن ظهور هذا الأخير بات وشيكاً وكل ما كان يقوم به نجاد هو التمهيد الضروري لعودة ظهور الإمام. وكان يرى في الغزو الأمريكي للعراق محاولة أمريكية يائسة لتأخير ظهور الإمام لأن وسائل الاستخبارات الأمريكية علمت قبل غيرها بموعد الظهور! بكل الأحوال صار ذلك خلف ظهورنا. ونأمل إلى الأبد. مع انتخاب وتولي حسن روحاني الحكم الذي يتأمل كثيرون أن يفتح صفحة جديدة في السياسة الإيرانية خاصة لجهة علاقات إيران مع جيرانها العرب. لكن المواقف والتوجهات التي يمكن رصدها حتى الآن من سياسات الحكم الجديد تشير إلى الشيء ونقيضه وما زالت لم تترسخ. ومن الموضوعي منحها فترة أطول حتى تتبين بشكل أوضح ومن ثم يتم الحكم عليها. لكن الشيء المقلق هو أن تتغير السياسة الإيرانية دوليا وتتصالح مع الغرب في الوقت الذي تبقى على حالها من تشدد وبسط نفوذ وتدخل على المستوى الإقليمي. بل وأزيد من ذلك أن يوفر لها انفتاحها على الغرب وتقديمها تنازلات في الملف الأهم بالنسبة للدول الكبرى. وهو سقف امتلاكها التكنولوجيا النووية وقدرتها على تحويل تلك التكنولوجيا إلى المجال العسكري. فرصا جديدا للاستقواء الإقليمي وتكريس سياسة التدخل في الجوار وبسط النفوذ. والشيء الأكيد هنا هو أن طهران تقرأ وتستوعب الدرس السوري جيدا ومدى الهوس الغربي بسلاح سوريا الكيماوي الذي أدهش وفاجأ حكام دمشق أنفسهم. حيث اكتشفوا أن هذا السلاح هو رافعة النجاة للنظام. ليس عبر استخدامه بل عبر التفاوض مع الغرب على تسليمه. ومن شبه الأكيد هنا أن تكون طهران قد قدمت نصيحة غالية لدمشق لقبول فكرة تسليم السلاح الكيماوي. بهدف كسر الانسداد السياسي الذي كان يواجه الحكم في سوريا. وفتح الطريق واسعا إلى "المفاوضات مع الغرب" حول كيفية وآلية تسلميه. والجدول الزمني. وترتيبات السلامة. والبروتوكول السياسي والدبلوماسي والأمني. وقائمة طويلة لا تنتهي من الإجراءات. طهران التي تمتلك خبرة عريقة في "المفاوضات مع الغرب" حول الملف النووي سوف تكون إلى جانب دمشق تمدها بتلك الخبرة. وسوف تطول مفاوضات الملف الكيماوي السوري مع الغرب كما طالت شقيقتها الإيرانية. وخلال ذلك يستقوي النظام ويستمر في طحن الشعب السوري دفاعاً عن حكم الإقطاع الأسدي. كانت طهران تدرك أن الملف النووي هو الورقة الأهم إن لم تكن الوحيدة التي تمتلكها على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة والغرب من أجل اكتساب اعتراف بموقع ومصالح إيران في المنطقة والكف. حسب ما تقول طهران. عن التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية. والآن جاء الدرس السوري ليس ليؤكد ما كانت تعرفه إيران وحسب. بل ولتدهش حكامها بمدى هوس الغرب واستعداده لتقديم تنازلات كبيرة في سبيل تحييد هذا السلاح في سوريا. ثم في إيران. لم يهم الغرب أن أكثر من مائة ألف سوري قتلوا بالسلاح التقليدي غير الكيماوي. ذلك أن هذا السلاح فعال فقط ضد الشعب ولا فاعلية له خارج حدود سوريا. وتحديدا مع إسرائيل. وكذا الأمر بالنسبة للملف النووي الإيراني. فطالما تم تحييده فإن خطر إيران على إسرائيل (سواء أكان حقيقيا. أم متوهماً) سوف يتم إبطاله. في المقابل تُترك إيران حرة وطليقة في سياساتها الإقليمية وإزاء جيرانها. على ذلك فإن المرحلة المُقبلة سوف تشهد تحديات كبيرة للنظم الإقليمي العربي المتداعي أصلا إزاء ما قد تصل إليه المفاوضات الإيرانية الغربية. فطهران روحاني سوف تكون في الغالب أكثر اعتدالا وبراغماتية مع الغرب إزاء الملف النووي. وليس من المُستبعد أن تصل معادلة شبيهة بالمعادلة الروسية وأساسها هو: التنازل للغرب من أجل السيادة في الإقليم. ولأن بوصلة الاهتمام الأمريكي والغربي عامة هو أمن إسرائيل فحال أن يتم تأمين ذلك بشكل مطبق. فإن إطلاق يد طهران إقليميا لن يقض مضاجع الرئيس الأمريكي أو حلفائه. وهذا يُبقي التحدي الحقيقي والكرة الملتهبة في الملعب العربي ويطرح الأسئلة الصعبة التي يجب التصدي لها وهي كيفية التعامل مع إيران. وما هي الرهانات على طهران الجديدة وحاكمها الجديد. وما هي نسبة الجديد والمتغير إزاء القديم والمستمر في سياستها. المعضلة الكبيرة في السياسات العربية. في كل القضايا تقريبا. هو التردد والبطء وعدم الإقدام. على العكس تماما من السياسة الإيرانية التي تتصف بالهجومية وعدم التردد. خلال سنوات الثورة السورية الثلاث دخلت إيران في قلب النار من دون تردد. ووقفت إلى جانب نظام الحكم الدموي ولم تأبه لأي شيء آخر. كانت تدرك أن سقوط النظام يعني إنحسار نفوذها الإقليمي وانكسار الهلال الإيراني في الحلقة الأهم منه. في المقابل لم يكن هناك موقف عربي يتسم بنفس السمات في سوريا مؤيدا لثورتها. وإذا نظرنا إلى سياسة دول مجلس التعاون الخليجي خاصة في السنتين الماضيتين فإننا نرى بوضوح التردد والتراخي في الملف السوري. وعندما صار هناك موقف خليجي مبادر وفعال وهجومي فقد اتجه للمعركة الخطأ. أي في مصر. واستنزف الجهد والموارد والتخطيط للحرب على نظام الإخوان في القاهرة وهو النظام الذي كان سقوطه محتما بالانتخابات وبالإرادة الشعبية ومن دون تدخل خارجي. وفي غمره الانهماك في مصر. كانت إيران تتجذر في سوريا واليمن والمنطقة كلها.