02 نوفمبر 2025

تسجيل

الغرب و"القاعدة الكردية"

23 أغسطس 2014

بدأت "داعش" في سوريا وتمددت إلى العراق وكادت أن تصل إلى الأردن والكويت، فيما أطلقت السعودية صافرات الإنذار من مخاطر تداعيات وصول داعش إلى الجزيرة العربية بكل دولها.ليس من خلاف على أن الجغرافيا العربية تحديدا تغلي وتهتز وتتماوج منذ ثلاث سنوات ونصف السنة ولا تزال. مر عليها خلال هذه الفترة القصيرة ما هو كفيل بملء أحداث عقود في ظروف مغايرة. سقطت أنظمة وقاومت أخرى، استنفرت القوى العظمى كلها من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى روسيا والصين، وكادت حرب عالمية أن تندلع في أكثر من لحظة.غير أن ما هو لافت في هذا المشهد المتفجر والملتبس ما جرى في العراق وتحديدا في شماله.عندما بدأ هجوم "داعش" على العراق وسيطرته على مناطق شاسعة منه تحركت الإدارة الأمريكية معبرة عن استعداداها لمساعدة الجيش العراقي في حالة تشكيل حكومة وفاق وطني يرضى عنها الجميع. ومع أن رئيس الحكومة السابق نوري المالكي قد غادر السلطة وكلف حيدر العبادي بتشكيل حكومة جديدة، غير أن المساعي لم تسفر عن شيء حتى الآن وبقيت المساعدة الأمريكية المشروطة خارج ترجمتها على الأرض.واستمرت داعش في ارتكاب المجازر ضد الأقليات، ولاسيَّما التركمان والإيزيديين الذين حوصروا في جبال سنجار، وعملت الولايات المتحدة على إلقاء مساعدات غذائية وإنسانية جوا على الجبل دون تدخل عسكري. لكن قرار "داعش" في التمدد شرقا في اتجاه إقليم كردستان الذي يتزعمه مسعود البرزاني ووصول التنظيم إلى مسافة قريبة من أربيل عاصمة إقليم كردستان، بل احتمال إسقاط المدينة، كان كافيا لكي تهرع واشنطن إلى التدخل العسكري المباشر عبر غارات جوية على مواقع داعش وإمداد قوات البشمركة بالخبراء وبالسلاح للتصدي لداعش.ولم تكن الولايات المتحدة وحيدة في هذه المساعدة، بل إن بريطانيا وفرنسا وألمانيا وقفت أيضاً إلى جانب كردستان. تقدم البشمركة بدعم أمريكي وببعض المساندة من الجيش العراقي ليستعيدوا أيضا سد الموصل.تراجع الخطر عن كردستان من حيث المبدأ، لكن الأسئلة الكثيرة الباحثة عن إجابات مقنعة لم تتراجع.البارز هنا نقطتان، الأولى هي تعاضد كل فصائل الأكراد للدفاع عن أربيل والتقدم في الهجوم، بل أيضاً الدفاع عن مناطق كردية في سوريا كانت مهددة من قبل داعش.اللحمة الكردية شدت عصبا كان غائبا في السنوات الأخيرة بسبب الخلاف بين تيار البرزاني وتيار عبد الله أوجالان، مقاتلو البشمركة ومقاتلو حزب العمال الكردستاني الذين قدموا من جبال قنديل في شمال العراق ومن تركيا ومقاتلو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، كلهم حاربوا جنبا إلى جنب. الوطنية الكردية تقدمت لتؤسس، ربما جغرافيا، سياسة جديدة، خصوصا مع الإعلان عن قرب التوصل إلى تسوية سياسية للمشكلة الكردية في تركيا. ما ناله أكراد العراق من فيدرالية تقارب الاستقلال والهوية الثقافية الكاملة معطوفة على كيانية سياسية لا يمكن لأكراد تركيا أن يقبلوا أقل منه، وإن حدث أن نالوا أقل من ذلك فيكون قادتهم قد فرطوا بنضالاتهم على امتداد القرن العشرين وصولا إلى اليوم.وإذا نال أكراد تركيا ما يتمنون فإن أكراد سوريا لن يبقوا استثناء خارج السياق الجديد. أما أكراد إيران فلهم وضع مغاير لا يدخل في السياقات الحالية في المدى المنظور على الأقل.النقطة اللافتة الثانية في التطورات الكردية مع داعش هي أن الولايات المتحدة تعلن ضمنا، لكن بالتطبيق الميداني، أن المس بالكيان الكردي خط أحمر للجميع، لبغداد ولأنقرة ولـ"داعش" أو أي طرف خارجي.تعزيز الكيانية الكردية في العراق لم يعد مسألة تتعلق بموازين القوى العراقية الداخلية، بل على صلة بالتوازنات الإقليمية وربما الدولية. وهو ما قد يستدرج الكلام العملي على كيانية كردية شرق أوسطية أوسع.أحداث العراق في الأشهر الأخيرة تعكس أولا، كم هو هشّ الوضع العربي وكم أن كردستان العراق، كدور سياسي وعسكري وأمني واقتصادي، محورية للولايات المتحدة والغرب ومصالحهم. وإذا لم تكن كردستان العراق تعادل أهمية إسرائيل للغرب، فإنها على الأقل تليها لجهة الأهمية.هذه هي رسالة أمريكا وهو ما يثير أسئلة كبيرة وخطيرة حول ما يمكن أن تلعبه "القاعدة الكردية" الجديدة والمحتمل توسعها لاحقا، من أدوار مستقبلية للغرب في إطار مخططاته للهيمنة على المنطقة وتفتيتها.