18 سبتمبر 2025
تسجيلمستقبل السودان أصبح اليوم قضية يرتجف لذِكرها الحادبون سودانيون وغير سودانيين.. بعد أكثر من قرن من الزمان من استقلال البلاد من الاستعمار البريطاني، أصبح المستقبل لا أقول ضبابياً بل أكثر قتامة بفعل ما اقترفت أيادي السياسيين - ومازالت تقترف - في حق هذا الوطن الجريح.. نعم كل الطيف السياسي من طائفية وأحزاب تقليدية وحديثة ومعارضة مسلحة، أجرم في حق الوطن. ففي ظل هذا الفشل المتراكم، اختار السياسيون في السودان اللجوء إلى العنف، وعدم احترام حقوق الإنسان، ومحاربة الديمقراطية ونبذ التداول السلمي للسلطة، واحتقار سيادة القانون.. اليوم حياة المواطن السوداني عادت القهقري في كافة مناحيها لاسيَّما الأخلاق والعملية التعليمية والصحة والخدمة المدنية وحتى الفنون والثقافة.. الأمن أوجب واجبات الحكومات، لكن حكومات السودان المختلفة لم تنجح في تحقيق السكينة والطُّمأنينة والاستقرار على مستوى الفَرْد والجماعة والدولة. الله تعالى يقول: "لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ".. الآية الكريمةُ ربطت الأمْنَ الغذائيَّ بِحالة الطُّمأنينة العامَّة والاستقرار، وبذلك يُشير مفهوم الأمن إلى حالة الطمأنينة العامَّة، وانعدام الخوف للفرد والمجتمع، وهذا ما لم ينعم به الفرد السوداني وظلت الحكومات تضحك عليه وسياسيوها في جدلهم غارقون وفي غيهم سادرون.(الحوار والتفاوض والطاولة المستديرة وأخيرا خرائط الطريق) مصطلحات تخديرية ومناورات سياسية أدمنها السياسيون بيد أن الأوضاع المتردية لم تعد تتحمل المزيد من التدليس النخبوي، في ظل مخاطر جدية شاخصة.. اليوم يزور مساعد رئيس الجمهورية ألمانيا في إطار حلقة الحوار المفرغة؛ وقد تحدثت مصادر سياسية في الخرطوم قبل الزيارة عن تحركات واتصالات مكثفة يجريها الاتحاد الأوروبي مع الحكومة السودانية، بشأن مقترح لعقد ورشة عمل بألمانيا للإسهام في تنقية أجواء الحوار الوطني وتعزيزها.. في المقابل في إطار جهود الجبهة الثورية وبحثها المستمر لحل الأزمة السودانية، التقى وفد من المعارضة المسلحة (الجبهة الثورية) في بروكسل مقر الاتحاد بقيادة الاتحاد الأوروبي مسؤولا بالدائرة الإفريقية والملف السوداني بالاتحاد الأوروبي.. وفي ظل هذه (المعمعة) أيضا قام ثامبو أمبيكي رئيس الآلية الإفريقية، وممثلون للأمم المتحدة وسفير "الإيغاد"، زيارة للخرطوم اطلع خلالها على خارطة طريق الحوار الوطني التي تم التوصل إليها مؤخرا بين الحكومة والأحزاب التي قبلت الحوار مع الحكومة.. المدهش أن الخرطوم رفضت (إعلان باريس) الذي وقعه زعيم حزب الأمة الصادق المهدي بحجة عم تدويل المشكلة السودانية وفي الوقت ذاته اعتبر مساعد البشير أن الحديث الدائر بأنه بصدد لقاء الحركات المسلحة في ألمانيا بأنه تكهنات صحفية. تعقيد الأزمة السودانية يبدو ماثلا في انسداد كل أبواب الحلول؛ فكل أدوات التغيير تبدو غير مجدية لا المحاولات الانقلابية ولا التحرك الشعبي والانتفاضة الجماهيرية نحو الديمقراطية في ظل عدم تأمين ضد السرقات كما حدث في ثورات الربيع العربي والسارقون هم نفسهم السياسيون الذين يلعبون الآن بمستقبل البلاد، ولم يبق إلا بروز معارضة من نوع آخر وهي انكفائية تكفيرية تسعى لتقويض المجتمع الحديث على طريقة داعش.. إن مضت الأمور وفقا لهذا النهج الاستهتاري للسياسيين فإنه حتما ستبرز داعش سودانية.الذين يعولون على "أوروبا الاتحاد الأوروبي"، يعولون على سراب يحسبه الظمآن ماءً؛ فأوروبا أضحت مشغولة بتحدي المارد الروسي في شرقها والعودة إلى سياسات القوة على حدودها وفي جوارها المباشر. هذا يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا السابق يقول: (يريد الكرملين بقيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن تغيير الحدود الوطنية بالقوة وبالتالي تأمين عودة روسيا إلى الظهور بوصفها قوة عالمية إمبراطورية)، حتى ما يحدث من اضطرابات متزايدة في المنطقة العربية يعتبره فيشر مهددا آخر بدلا من أن تأنس أوروبا في نفسها الكفاءة للإسهام في حل معضلات المنطقة.. يمضي فيشر قائلا: (تهدد الفوضى وأعمال العنف -وأكثر مظاهرها وضوحا في سوريا والعراق وغزة- باجتياح الشرق الأوسط بالكامل، الأمر الذي يشكل تحديا للسلامة الإقليمية للدول التي نشأت إلى حد كبير نتيجة لترتيبات السلام في أعقاب الحرب العالمية الأولى). الوضع المتأزم في البلاد يحتاج لقرارات قوية وربما قاسية تغير النهج المتبع في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية المتصاعدة ولا تكفي مجرد التصريحات التي يغلب عليها التمني أكثر من الإرادة والعزم لمعالجة هذه الأوضاع؛ الرئيس البشير قال في آخر كلمة له في ختام أعمال مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني الحاكم الأخير، إن دعوة الحزب للحوار ليست من ضعف، وإنما لإيجاد مخرج للأحزاب لممارسة نشاطها، مشدداً على أن الحكومة مع الحريات المسؤولة، داعيا الأحزاب والقوى السياسية لممارسة نشاطها بحرية، وهذا ما لا يبدو ماثلا على أرض الواقع.