17 سبتمبر 2025
تسجيلقضيت أيام العيد في القولد مع شقيقي خليل الذي يكبرني بقليل ومع بقية الأهل والعشيرة الذين نعيش بعيداً عنهم وأديت صلاة العيد مع الشيخ عيسى فضل الله والمئات من الرجال والشباب والنساء عند ساحة العيد بجوار مقابر الصحابي حسن بن عقبة والشيخ ساتي محمد عليهما الرحمة.. حيث التقيت بمعظم الناس الذين يصعب لقاؤهم في الأيام العادية لأن الجميع يشهد صلاة العيد في هذا اليوم.. وهناك مناسبات محددة تقودنا إلى مسقط الرأس هي إما حدث اجتماعي(زواج أو وفاة) وإما مناسبة (حش التمر) وهي مناسبة حتمية لا بد من حضورها فالتمر له معان وأبعاد خاصة عند أهل الشمالية، وأما العيدان رمضان أو الضحية.. ونادراً ما يحضر الناس بصورة مكثفة لحضور عيد رمضان أو العيد الصغير فمعظمهم يفضل عيد الضحية لأنه يجمع الناس بصورة أكثر التصاقاً وقرباً من بعضهم البعض.. ويبدو أن موعد حصاد التمر والأضحية سيكون متقارباً أو موحداً هذا العام.. فمنذ أن تحركت بنا العربة انطلاقاً من الكيلو رقم واحد عند لفة أمبدة حيث يبدأ طريق شريان الشمال وأذكر أن المغفور له مولانا أحمد الميرغني كان قد وضع حجر الأساس لهذا الطريق ذي الألف كيلو متر حتى حدود السودان الشمالية.. ويومها كنت أقف مع المغفور لها شهد الجزولي وكان قد تم تعيينها وزيرة في حكومة الولاية الشمالية الكبرى(نهر النيل والشمالية) فقلت لها خلاص انتهى الطريق فسألتني كيف انتهى وقد تم وضع حجر الأساس الآن.. قلت لها طالما بدأنا فإننا سوف ننتهي طالما بقيت فينا روح.. والبادية واصلة كما يقولون... وكنت وقتها عضواً في الأمانة العامة لطريق شريان الشمال وهذا الاسم من عنتريات الزميل الصحفي النابه عمر إسماعيل عبد الصادق الذي كان يعمل بهمة ونشاط بجانب محمد أحمد مكي رد الله غربته، فقد لعب دوراً مهما في جميع التبرعات والاشتراكات من المغتربين من أبناء المنطقة وله سهم كبير في تحقيق هذا الإنجاز العظيم وما إن غادرنا محطة سوق ليبيا التي خرجنا بصعوبة من زحمة العربات.. كنت ألحظ آثار الأمطار على جانبي الطريق على طوله حتى دخلنا منطقة أم الحسن في قلب الصحراء.. فالأمطار كانت عامة أدخلت الحزن في نفوس البعض بسبب تدمير السيول لبيوتهم ولكنها في ذات الوقت أدخلت البهجة في نفوس العرب في الصحراء حيث اخضرت الأشجار وسوف يقومون بالزراعة هذا العام بصورة لم تحدث في الآونة الأخيرة.. إذاً نقول جعلها الله أمطار خير وبركة على السودان كله.. يمكن تعويضه، لكن الجفاف لا يحبذه أحد ولا يطلبه عاقل إلا في المدن حيث السيارات وبعض الأعمال التي يمكن أن تتعطل ولكننا دولة زراعية وفي الزراعة نعتمد كثيراً على الزراعة المصرية التي تشكل معظم ثروتنا من الصادر وغذائنا الغالب.. فهي إذاً أمطار خير وبركة وليست كوارث كما تطلق عليها بعض وسائل الإعلام. لأول مرة تضاء الشوارع في منطقة سوق القولد.. وتسير العربات والحمير على شوارع الأسفلت في القولد.. ويستطيع الناس أن يدفنوا موتاهم على أضواء الكهرباء بعد أن أضاءت لهم المحلية مقابر حسن بن عقبة وساتي محمد، ولأول مرة يصلي العيد بميكروفونات موصلة بالكهرباء. وخلال الأيام الثلاثة التي أقمتها بالقولد زرت في اليوم الأخير واحداً من أقدم وأهم البساتين في القولد هو مشروع ميرغني السيد الذي أنشئ عام 1945 وما زال مستمراً في إنتاج المانجو والبلح والقمح والفول في مساحة خمسمائة فدان.. ليس هذا هو الذي لفت نظري وإنما اللافت هو ما قاله لي مدير المشروع كمال ميرغني السيد من أنهم يحتفظون بمتحف لوابور مياه موديل الثلاثينيات(Black Store) وجرار إطاراته جديدة خالص.. وعربة شيفروليه موديل 1935 وعدد من الآليات التي تشكل متحفاً زراعيا متكاملاً سنعود للحديث عنه فيما بعد..