17 سبتمبر 2025
تسجيلفي سياق التحليلات وردود الأفعال حول قرارات الرئيس المصري المنتخب "مرسي" الأخيرة أكدت صحيفة 'هآرتس' الصهيونية أن "إسرائيل" شعرت بالضياع والفزع بسبب إقالة المشير حسين طنطاوي، وأن حدثاً كهذا بالنسبة لـ"إسرائيل" هو أهم من التهديد النووي الإيراني وارتفاع أسعار الشقق والوقود.. الصحيفة دللت على ذلك بأن قرارات الرئيس "مرسي" احتلت المانشيتات الرئيسة في الصحف العبرية، وقال محلل الشؤون العربية بالصحيفة 'تسفي برئيل' إن هذا هو نفس الشعور الذي ساد في إسرائيل بعد قيام رئيس حكومة تركيا - أردوغان - باستبعاد القيادات العسكرية وإبعادها عن السياسة وإيقاف الجنرالات الذين كانوا حافظي أسرار إسرائيل. أضاف برئيل أن "إسرائيل" تجد صعوبة في قبول حقيقة أن تركيا ومصر انتقلتا من نظام حكم عسكري أو شبه عسكري إلى نظام حكم مدني، لأنها ظنت أن السياسة التي طالما انتهجتها مع قيادات الجيشين المصري والتركي كانت أبدية، وأن نظام الجنرالات في حاجة إليها. أما في صحيفة "يديعوت أحرونوت" فقد كتب المحلل العسكري الصهيوني "أليكس فيشمان" تحت عنوان "خطر على العلاقات مع إسرائيل" إن قرارات مرسي وقعت على الكيان الصهيوني كالرعد في يوم صحو؛ فقد أقيلت مجموعة لا يستهان بها من الرجال الذين احتفظوا لسنوات طويلة بعلاقات عمل مع جهات في الكيان الصهيوني. وأقول: هذا ما يقوله العدو عن القرارات وهذا تحليله لها وهو بالتأكيد يضفي عليها قيمة ووجاهة إضافية.. لكنها فوق ذلك ضروروية لمصر كمصر قبل أي اعتبار آخر؛ ذلك لأنها 1- التطور الطبيعي وتمثل المرحلة الثالثة لثورة الربيع المصرية بعد مرحلتي "الشعب يريد إسقاط النظام" و"يسقط يسقط حكم العسكر" 2- ولأنها وضعت حدا لنكايات المجلس العسكري ضد الرئيس والثورة، 3- وحسمت ازدواجية وجود رأسين متضادين وجسمين متشاكسين للدولة أحدهما للثورة ويجسده الرئيس المنتخب والآخر للفلول ويمثله المجلس العسكري 4- ولأن مصر دولة عميقة وكبيرة وتقع في منطقة من العالم تتداخل معادلاتها وتتشابك علاقاتها ويقيم على حدودها "الكيان الصهيوني".. فلا يمكن أن تظل رهنا لحالة انتقالية هكذا. لكن هذه القرارات لم تكن لتتخذ إلا برئيس قوي ويمتلك روح المغامرة على الصعيد الشخصي، ولم تكن لتنفذ لولا أن هذا الرئيس مؤيد ومعزز من الشعب، ولولا أن الشعب الذي يسنده ويسند قراراته فاعل وواع ويعرف ما يريد ومستعد لكل الاحتمالات وللرد على أسوأ ما يمكن أن يترتب عليها عند اللزوم. وإذن فالقرارات نتاج توليفة من ثلاثية تتكون من رئيس قوي، وشعب فاعل، ورابطة متينة بينهما.. هذه التوليفة توفرت في مصر اليوم وهي التي جعلت الرجل الأول والأقوى في المجلس العسكري – المشير طنطاوي - عندما وصله خبر الإقالة لا يزيد على قول "استخرت الله على ما حدث، وأتمنى أن توفق القيادات الجديدة لما فيه الخير لمصر" التوليفة ذاتها جعلت الرجل الأقوى ثانيا في المجلس - الفريق عنان – لا يجد ما يعلق به على الخبر فيلوذ بالصمت، وهي التي جعلت صولات وجولات ودستوريات المجلس العسكري التي حصن نفسه بها تتداعى وتنهار، ولو أن هذه التوليفة الثلاثية تخلف منها مكون واحد لكان أحد القرارات كافيا لقلب الأمور على رأس مرسي والإخوان ومصر كلها. المتوقع حسب البند الثالث من القرارات التي تتعلق بالدستور والبرلمان أن تؤدي خلال الستة أشهر القادمة لإنهاء صناعة الدستور وتشكيل البرلمان المنتخب.. وقد بات واضحا أن القيادة المصرية الجديدة تسير بخطوات ثابتة وحاسمة نحو الاستقرار. الرئيس المنتخب "مرسي" لا ينسى وهو يعالج إشكالات الداخل وينجح فيها ورغم كل الإشغالات والنكايات والمعيقات هو تحرك في الملفين الأخطر والأولى من كل الملفات على المستوى الخارجي ومستوى العلاقات الإقليمية؛ ملف العلاقات مصر مع كيان العدو، وملف الثورة السورية.. في الملف الأول أوضح وزير الإعلام الجديد "صلاح عبدالمقصود" بلغة لم تكن معهودة في الخطاب الدبلوماسي المصري منذ اتفاقية العار – كامب ديفيد - أوضح أن مصر لن تسمح بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل قبل تحرير الأراضي المحتلة، وفي نفس الاتجاه تأتي إعادة تموضع القوات العسكرية المصرية الجاري في سيناء على غير رضا كيان العدو وبما لا يتفق مع حدود المعاهدات بينهما، كل ذلك يؤشر على أن أهداف العملية في سيناء تجاوزت الرد على عملية الغدر وتخطت ملاحقة المتطرفين.. مما حدا بحكومة العدو أن تطلب من مصر سحب هذه القوات.. محللون يعتقدون أن تهديدات الكيان الصهيوني لإيران المقصود منه تصدير رسالة لمصر على طريقة إياك أعني واسمعي يا جارة فجاء رد الرئيس "أن بلاده لن تأخذ إذنا من أحد لحماية حدودها" وصارت صحف العدو تنعته بـ"الرجل القصير صاحب المفاجآت". أما في الملف السوري فقد قدم الرئيس لمؤتمر "منظمة التعاون الإسلامي" الأخير في مكة مشروعا ينطوي على الذكاء والواقعية بقدر ما يجمع الولاء لفكر الثورة وإيثار السلامة ورفض التدخل الخارجي.. الاقتراح دعا لتشكيل جبهة وساطة من الدول - مصر وتركيا والسعودية وإيران – وهي جبهة لو تشكلت كما يريدها "مرسي" فبالتأكيد ستكون ذات ثقل إقليمي وسيتجاوز أثرها حل المشكلة السورية ثم ولوجود إيران فيها سيوقف ذلك التصعيد الطائفي ويعزز جبهة الممانعة في وجه المخططات الصهيوأميركية في المنطقة. هذا الاقتراح قد يتم بالدول الأربع وقد يتم ببعضها وقد تنضم إليه دول أصغر.. في كل الأحوال هو اقتراح يدلل على عقلية وطنية وعلى مشاعر قومية وعلى ذكاء وإحاطة خاصتين يتمتع بهما الرئيس، وإذن فقد صارت مصر تتحرك على المستوى الخارجي منذ اليوم وصرنا أمام لغة جديدة ورؤية جديدة وعلاقات مصرية جديدة وبصدد هوية جديدة بدأت تترسم للإنسان المصري داخل مصر وخارجها.. أليست هذه كلها معاني ثورية ووطنية وقومية وإسلامية ما قامت الثورة أساسا إلا لها وبها؟ آخر القول: لست أروج للرئيس كشخص، ولا لقراراته التي لم تعد محتاجة لمن يدافع عنها.. ولكنه الإنصاف؛ إنصاف الرجل "مرسي" الذي ظن بعض محبيه أنه ضعيف ونعته خصومه بـ(استبن)، وإنصاف "الإخوان المسلمين" الذين ظنهم بعض محبيهم مجموعة دراويش مسطحين وطالما نعتهم أعداؤهم بإرهابيين ومتطرفين وحجريين وخشبيين وظلاميين.. وإنصاف الشعب المصري الذي يتهمه خصوم الثورة بالتغفل وبأنه أجرم في حق نفسه عندما اختار الإخوان، والذين لا يزالون يرونه مجرد أسماء في سجلات الإحصاء أو أرقام في خطط تحديد النسل.