14 سبتمبر 2025
تسجيلالسودان بحاجة إلى خطاب جديد يوحد ولا يفرق لا يكاد السودان يستفيق ويتعافى من عنفوان عباب انفصال الجنوب حتى أطل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2003 ليزيد النار إضراماً على ما هي عليه.. قضايا الانفصال العالقة وخاصة الأوضاع في أبيي، والوضع المتصاعد في جنوب كردفان نتيجة لهجوم الحلو، وتجهم عقار في جنوب النيل الأزرق، فكل هذه الرزايا تنذر بتمزيق الوطن، وإنزال الذل في أعطاف دولة السودان السنية. فقد نص القرار رقم 2003 على تمديد فترة بقاء القوات الدولية في دارفور لمدة عام، وتوسيع صلاحياتها لتشمل معالجة التحديات في كل السودان باعتبار أن الحالة في السودان تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ويؤكد القرار ولاية يونميد على أساس البند السابع مما يشكل خطراً مدلهماً لا تضاهيه أي خطورة ماثلة في الأفق. ومما يدعو للفزع والجزع أن قرار مجلس الأمن الدولي المعني قد تزامن مع حدثين هامين: الأول هو تجديد الإدارة الأمريكية تصنيفها للسودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، والثاني يتمثل في دخول منظمات دولية إلى ولاية جنوب كردفان لتقييم الوضع الإنساني. الحكومة السودانية، أعني المؤتمر الوطني، أعلن مناهضته للقرار بشتى الوسائل المتاحة والقيام بالتعبئة السياسية والدبلوماسية بالداخل والخارج لتوضيح خطورة القرار، كما أعلن حاج ماجد سوار أحد دهاقين المؤتمر الوطني النافذين أن كل القرارات أمامه مفتوحة بما فيها القتال، ومؤكداً جاهزيته لفتح المعسكرات في أي وقت إذا استدعى الأمر. خطاب النزال والمناطحة أصبح ملمحاً بارزاً لاستراتجية المؤتمر الوطني وهو الذي جر السودان إلى مواجهات مع القوى المعارضة وخاصة الحركات المسلحة في دارفور إلى العناد والتعنت عن إلقاء السلاح، وهو أيضاً الذي دفع البلاد دفعاً إلى أن تصبح مهاداً للقوات الأممية. فلولا هذا الخطاب الغارق في الغطرسة والعنترية لما انفصل جنوب السودان، ولما استمرت أزمة دارفور قابعة في أمكنتها الكئيبة، ولما امتشق الحلو وأتباعه المارقون السلاح وروعوا الآهلين وأذاقوهم مرارة الحياة. ويذكرنا التاريخ بأن الرئيس البشير قد أقسم مراراً بألا تطأ أقدام القوات الدولية أرض دارفور. ورغماً عن ذلك فقد انتشرت في دارفور طبقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1769 بعثة أممية مشتركة من القوات الدولية، والقوات الإفريقية قوامها 23 ألف جندي، و4000 آلاف موظف مدني. لا يوجد أحد يماري ويجادل بأن البلاد غير مستهدفة من المجتمع الدولي قاطبة، والذي أفضت مؤامراته إلى انشطار القطر الشاسع، وإلي تغذية الصراع وبؤر النزاع التي طوقت البلاد بسياج ناري ما زال يتضرم ويتفاقم. السودان بحاجة إلى خطاب جديد في الداخل يوحد ولا يفرق، وإلي خطاب للخارج يستلهم من الماضي دبلوماسية شعرة معاوية ومن الحاضر استحضار تعقيدات الكوننة وخباياها المكنونة. إننا حقاً أمام أوضاع مأساوية تماثل الريح الصرصر التي قال فيها جون ميلتون في رائعته الفردوس المفقود: تتقد زمهريراً حتى أن البرد القارس ليفعل فعل النار .