17 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا نجحت تركيا في إجهاض الانقلاب ؟

23 يوليو 2016

فشلت المحاولة الانقلابية في تركيا التي جرت مساء الجمعة في 15 يوليو والتي باتت تعرف في تركيا بـ"انقلاب 15 يوليو". المحاولة الانقلابية لم تكن مفاجئة على نحو كامل. فالمقالات والتصريحات والتسريبات حول إمكانية حدوث انقلاب عسكري في تركيا كانت تملأ وسائل الإعلام ولاسيَّما الغربية والأمريكية منها تحديدا. وإحدى الصحف الأمريكية المعروفة كتبت في نهاية مايو الماضي مقالة بعنوان: "الانقلاب العسكري المقبل في تركيا". والمحللون في قنوات أمريكية تلفزيونية لم يتوقفوا عن الإشارة إلى مثل هذا الاحتمال.بطبيعة الحال هذا لا يعني أن الولايات المتحدة تقف خلف الانقلاب أو أنها كانت على علم به. فهذه أمور لا تظهر إلا بعد سنوات بل عقود عندما تكشف الوثائق السرية وأرشيفات وزارات الخارجية والدفاع والمراسلات الدبلوماسية حقائق ما جرى.في جميع الأحوال فإن محاولة الانقلاب التي جرت كانت غير مسبوقة في تاريخ تركيا ولا في تاريخ الانقلابات العسكرية في العالم. فقد كانت هذه المحاولة تحمل مسبقا عوامل فشلها المحتمة.1 - افتقدت المحاولة إلى قيادة تدرك ماذا تريد. فلم تعرف أهداف الحركة لا من بيان لها ولا من أي موقف لمن قادوها. وبالتالي افتقدت إلى رؤية واضحة لما تريد وهذا جعل تحركها خاليا من أي معنى أو هدف محدد.2 - افتقدت الحركة إلى تغطية من جانب قيادة الجيش ولاسيَّما رئيس الأركان وقادة الجيوش البرية والجوية والبحرية والدرك. وهذا جعل حركتها ضعيفة ومغلولة وغير قادرة بالتالي على تحريك قطاعات عسكرية كبيرة ومؤثرة.3 - لم يكن استهداف السلطة السياسية واضحا حيث إن الحركة الانقلابية لم تحاول محاصرة المؤسسات الرسمية مثل البرلمان ورئاسة الجمهورية والحكومة ووزارة الخارجية والدفاع ولم تحاول أن تعتقل أي مسؤول سياسي، وهذا أمر يطرح علامات استفهام حول الأهداف التي سعى إليها قادة الانقلاب. وهو ما أتاح للسلطة السياسية أن تتحرك وتوجه التعليمات لمقاومة الانقلاب.المراهقة في تنفيذ المحاولة الانقلابية ربما يفسر بأن معظم المشاركين في تنظيم محاولة الانقلاب كانوا يسابقون الوقت قبل أن يأتي فجر السبت في 16 يوليو الموعد المحدد سريا لاعتقالهم من جانب القضاء وبموافقة رئاسة الأركان، فأرادوا أن يستبقوا ذلك بانقلاب مرتجل رغم العدد الكبير نسبيا للمشاركين فيه. التهمة كانت التجسس لصالح الداعية فتح الله كولن.اتهام كولين بالوقوف وراء الانقلاب كان منطقيا في ظل هذا المعطى. لكن الأمور تعدت ذلك للحديث عن دور أمريكي في الأحداث. الولايات المتحدة نفت ذلك وهذا يفتح أمام توتر إضافي في العلاقات التركية-الأمريكية سيكون وضع كولن بيت القصيد فيه.مع ذلك فمن غير المتوقع أن تشهد العلاقات بين أنقرة وواشنطن قطيعة بل الأرجح أنها ستستمر، حيث ليس من خيار أمام أردوغان سوى الاستمرار في التحالف الذي يتعدى الأشخاص والإدارات الحاكمة، وقد عكس أردوغان ذلك بوصف الولايات المتحدة بالحليف الإستراتيجي، كما أنه أعاد تطبيع العلاقات كاملة مع إسرائيل قبل فترة قصيرة وهذا معطى مهم للغاية في مقاربة العلاقات التركية-الأمريكية.رغم كل التداعيات الخارجية لمحاولة الانقلاب، والتي تفترض تغييرا ما في مقاربة تركيا للعديد من القضايا الخارجية، فإن الاهتمام التركي سوف ينصب في المرحلة المقبلة على الوضع الداخلي خصوصا أن حملة تصفية أردوغان لخصومه في الجيش والمؤسسات القضائية والتعليمية قد بدأت وكانت واسعة جدا وطالت حتى الآن على الأقل ثلاثة آلاف قاض وثلاثة آلاف ضابط وجندي.لا شك أن الجيش تلقى ضربة قوية في بنيته التنظيمية وضربة أكبر في معنوياته، وهذا قد يكون له تأثير على قدرته على مواصلة الحرب ضد التهديدات الداخلية والخارجية ولاسيَّما تجاه الأكراد.ورغم أن المحاولة فشلت فإن أردوغان أمام تحد جديد وهو التوصل مع المعارضة إلى دستور جديد ديمقراطي يعكس الموقف المبدئي للمعارضة في رفض المحاولة الانقلابية والذي كان -أي هذا الموقف- عاملا مهما في إفشالها.يبقى أن تركيا لم تدفن بعد فكرة الانقلابات العسكرية التي عادت لتطل برأسها وهذا ربما أخطر ما يمكن الخروج منه من درس المحاولة الانقلابية الأخيرة.