16 سبتمبر 2025
تسجيلبعد جدل امتد لأكثر من شهرين تراوح بين التأكيد والنفي في الصحافة الغربية حول وجود قوات غربية تنتشر سرًا في ليبيا، ها هي فرنسا تعلن بشكل رسمي عن وجود قوات عسكرية لها على الأرض الليبية تقاتل إلى جانب اللواء خليفة حفتر، كاشفة عن مقتل ثلاثة من جنودها خلال المعارك الدائرة في بنغازي قبل أيام. لا شك أن الوجود العسكري الفرنسي في ليبيا دون إذن مسبق من الحكومة المعترف بها دوليًا، ولا حتى علم أو إخطار به، يرجح صدق الشكوك حول وجود قوات بريطانية وأمريكية وعربية أيضًا على التراب الليبي، إذا ما أخذنا بالاعتبار تصريحات لزعماء عرب تحدثوا سابقًا عن دور عسكري لبلادهم في ليبيا ضد التنظيمات التي يصفونها بالمتطرفة.هل ثمة تناقض حقًا بين ما تظهره الدبلوماسية الفرنسية في المحافل الدولية من دعم حكومة فايز السراج تماشيًا مع أغلب دول المجتمع الدولي وبين دعمها اللواء خليفة حفتر المتمرد على الحكومة الشرعية بالعتاد والسلاح؟ وهل يعتبر وجودها على الأرض الليبية والقتال إلى جانب اللواء حفتر في المواجهات التي يقوم بها ضد التنظيمات الإسلامية دون تفريق بين تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من التنظيمات التي تنتمي للإسلام السياسي ممن ناصروا الثورة على القذافي عسكريا يعتبر تدخلًا غير قانوني، ويشي بنية فرنسية للتخريب واستنزاف البلاد وإغراقها في آتون صراعات داخلية مدمرة؟السلوك الفرنسي لا يعكس تناقضًا في الموقف، ولا يشجع على التسرع بالحكم أن الحكومة الفرنسية تسعى لإثارة النعرات في ليبيا وخلق بلد مهزوز دائمًا بقدر ما أنها تسعى لتحقيق رؤية محددة تتطلب التعاون مع أكثر من جهة وطرف، وإن كان بعضهما لبعض عدوًا ونقيضًا. فليس الغرب يهتم بهوية من يدعم بقدر ما تهمه الجهة التي تقدم أفضل الخدمات بأقل ثمن وبأسرع وقت ممكن.فرنسا حذرة جدا من الأيديولوجيات الإسلامية على اختلاف أنواعها، وهي أشد حذرا من الإسلام المغاربي والإفريقي تحديدًا لاعتبارات مرتبطة بالتاريخ الاستعماري لفرنسا في القارة الإفريقية ومصالحها الدائمة والقوية في عدد من دول القارة لاسيَّما دول شمال إفريقيا، وقد لعبت دورا حاسما في التحريض على الإسلاميين في الجزائر خلال التسعينيات وخاضت حديثا مواجهة ضد القاعدة في مالي وهي تنسق بشكل تام مع القوات الأمريكية العاملة في قاعدة افريقوم لمواجهة التهريب والتطرف المنتشر في دول الساحل وشمال وغرب القارة.في الحالة الليبية، الخصوصية الغربية تزداد لاعتبارات منها الموقع الجيوستراتيجي للبلاد وقربها الشديد من حدود الاتحاد الأوروبي وطول حدودها على البحر المتوسط، ما يجعلها في صدارة الدول التي توفر ممرًا مثاليًا للهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية. ويأتي المخزون النفطي الكبير وسهولة استخراجه ونوعيته العالية على قائمة الأولويات التي تأخذ بالحسبان غربيًا عند بحث طبيعة العلاقة المطلوبة في الملف الليبي. وبما أن تنظيم الدولة شرع في إقامة دولة إسلامية له في ليبيا وحاول استقطاب عشرات الجهاديين القادمين من المشرق العربي ودول وسط وغرب إفريقيا، فإن أهمية ملف الإرهاب تزداد على غيره من الملفات الأخرى. فرنسا تتدخل لمؤازرة اللواء خليفة حفتر باعتباره قائدا عسكريا لديه خبرة واسعة وهو شخص مضمون الجانب ويحظى بوافر من الثقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي عاش فيها سنوات طويلة، كما تربطه علاقات قوية ومتينة مع عدد من النظم الحليفة للغرب في الشرق الأوسط. وإذا كان حفتر لديه ميول استبدادية ونزعة نحو الحكم العسكري، فإنه محارب شرس يكنّ العداء الشديد للأيديولوجيات الإسلامية على اختلاف أنواعها، ويقدم نفسه بصفته الرجل الأقوى في تحقيق الاستقرار الذي تطلع إليه الدول الغربية في ليبيا. فرنسا التي تدعم حكومة الوفاق طالما أن من أبرز أولوياتها القضاء على الميليشيات المسلحة وبسط سلطة الدولة على كامل التراب الليبي وحصر السلاح في يدها، فإنها لن تجد حرجًا في دعمها إلى جانب دعم حليفها اللواء خليفة حفتر رغم رفض الأخير الخضوع لسلطة الحكومة المعترف بها دوليًا. فالهدف الأساسي من دعم الجهتين المتعارضتين هو احتواء ما تراه فرنسا تطرفًا إسلاميا مؤكدًا أو محتملًا فيما لو سكت الغرب عنه طويلًا. أما أن دعم حفتر سيؤثر على قدرة الدولة أو الحكومة الحالية على بسط نفوذها أو يعرقل عملها المطلوب ويهز ثقة الشارع الليبي بها فهذا ليس مثار نقاش حالي، إذ إن احتواء الإرهاب يحظى بالأولوية على الاستقرار السياسي وبناء مؤسسات الدولة في ليبيا اليوم.