13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في حملته الانتخابية رفع أوباما شعار التغيير change ليكسب أصوات الناخبين وكان يعني إحداث تغيير مهم في سياسة الولايات المتحدة في الخارج على الخصوص وبمجرد تسلمه لسدة الحكم قام بانتهاج سياسة مغايرة لسلفه بوش قوامها سحب القوات الأمريكية تدريجيا من أفغانستان والعراق والحرص على عدم الزج بالقوات الأمريكية في بؤر الصراع، بل وتقليل حجم التواجد الأمريكي في أكثر من مكان إلى الحد الذي دفع بعض المحللين للقول بأن أمريكا تخلت عن حلفائها في المنطقة وأن أمريكا تعود إلى عزلتها وهو قول يجانبه الصواب.كما انتهج أوباما سياسة الانفتاح والحوار مع خصوم الولايات المتحدة التاريخيين، فأعاد العلاقات الدبلوماسية مع كوبا وكرس سياسة الحوار ومد الجسور ولخص سياسته مند العام الأول من حكمه لدى تسلمه جائزة نوبل في أوسلو في ديسمبر 2009 فقال: علينا ألا ندخر أي جهد من أجل إيجاد توازن "بين العزلة والتعاون، بين الضغوط والحوافز"، مؤكداً أن سياسة العقوبات بغير اليد الممدودة والإدانات بغير الحوارات محكوم عليها بالفشل، وتفعيلا لهذه السياسة بدأ أوباما قصة الاتفاق النووي بمكالمة هاتفية أجراها في سبتمبر 2013 مع نظيره الإيراني حسن روحاني الذي كانت تسوية الملف النووي من أهم ما تضمنته حملته الانتخابية مد خلالها يده إلى إيران من أجل تدشين حوار حول ملفها النووي وبعد جهود مضنية ومفاوضات ماراثونية استمرت لعامين تم التوصل لهذا الاتفاق وهو ما يفخر به أوباما ويعتبره أبرز إنجازاته، هذا إذا اجتاز خلال الأسابيع المقبلة مرحلة الكونجرس الأمريكي الدقيقة، فإذا أصدر أعضاء الكونجرس مذكرة ضد النص، ستبقى بوسع أوباما ممارسة حقه في الاعتراض عليها، لكن بوسع الكونجرس رغم ذلك التغلب على الاعتراض الرئاسي ونقضه من خلال تصويت ثلثي الأعضاء ضده وهو أمر قد لا يكون مستحيلا، لكن من المؤكد أن أوباما سيضع كل ثقله لتأييد الاتفاق، فقد قال في نهاية مايو الماضي معلقا: "إن اسمي سيكون مدونا على هذا الاتفاق"، وقال تريتا باريس من المجلس الوطني الإيراني الأمريكي للدراسات: إن النص الذي أقر في فيينا يشكل بالتأكيد الإنجاز الأكبر في حصيلة أوباما في السياسة الخارجية قبل أن يغادر البيت الأبيض بعد 18 شهرا. إدارة الرئيس أوباما تزعم أن الاتفاق يجنب الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط تداعيات وأخطار تدخل عسكري لا يمكن التنبؤ بنتائجه، خاصة أن الولايات المتحدة لا تزال تلعق مرارة الهزيمة في أفغانستان، كما أن تدخلها في العراق وانسحابها منه وضع المنطقة على صفيح ساخن وكان من أهم نتائجه ظهور داعش وإضعاف العراق ووضعه على سكة التقسيم. وهذه المبررات يمكن قبولها إذا أدى الاتفاق فعلا إلى منع إيران من إنتاج قنبلتها النووية، فالمحللون يؤكدون أن الأبعاد الحقيقية لهذا الاتفاق لن تتكشف إلا بعد عشر سنوات، أي بعد فترة طويلة على انتهاء ولاية أوباما وبعد هذا الكم من السنين ستكون في مقدورنا جميعا معرفة ما إذا كان هذا الاتفاق مانعا لإنتاج القنبلة النووية الإيرانية أم مؤجلا لها وأن إيران على مسافة 12 شهرا من إنتاج قنبلتها النووية وسنعلم ما إذا كانت موافقة إيران على الحد من عدد أجهزة الطرد المركزي ومخزونها من اليورانيوم المخصب موافقة جدية لن تتملص منها وما إذا كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي وقعت مع إيران خريطة طريق تجيز لها التحقيق في النشاطات النووية السابقة لإيران ــ ستنجح في فرض رقابة صارمة على مسار النشاط النووي من عدمه ومعرفة ما إذا كان الاتفاق قد نجح فعلا في تحقيق هدفه بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي لقاء رفع العقوبات التي تخنق اقتصادها من عدمه. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هو موقف العرب من هذا الاتفاق؟الواقع أن ثمة من العرب من لا يرحب بهذا الاتفاق لأسباب كثيرة، فعندما يقارنون أفعال أوباما مع أقواله بشأن القضية الفلسطينية منذ دشن خطابه في جامعة القاهرة وأطلق وعوده بشأن حل الدولتين ووقف الاستيطان، يرون البون الشاسع والفرق الكبير بين أقواله وأفعاله ويرون أن انحيازه لإسرائيل انحياز كامل وأنه تراجع عن وعوده ووافق على أطروحة الدولة اليهودية، بينما يجدون حماسا غير عادي منه لإنجاز الاتفاق النووي مع إيران التي أطلق يدها في العراق كما اتسمت سياسته في سوريا بالتخبط وعدم الحسم وغض الطرف عن عمليات القتل الممنهج بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والقتل والترويع التي يمارسها نظام الأسد ضد الشعب السوري، فالسلام لا يتجزأ والعرب ليسوا الوحيدين الذين لا يرحبون بهذا الاتفاق، فكثير من الغربيين لا يرحبون بهذا الاتفاق، لنفس الأسباب التي لدى العرب ولغيرها وثمة من يعتقد أن إيران مثيرة للفتن والحروب وضالعة في العديد من النزاعات في المنطقة ورفع العقوبات عنها سيضاعف من قدرتها على تمويل أذرعها في الإقليم وهو ما سيزيد المنطقة التهابا وتفتتا وإذا كان العرب مهمومين من كون إسرائيل نووية، فمن المؤكد أن همومهم ستزداد إذا امتلكت إيران أسلحة نووية بخرقها الاتفاق وهذا ما سيضع المنطقة في سباق نووي هي في غنى عنه، كما أن العرب الذين هم على مرمى حجر من إيران لم تشركهم الولايات المتحدة في هذه المفاوضات بينما أشركت دولا لا ناقة لها ولا جمل وهي أبعد من العرب، كالصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وكان الأولى أن يدعى العرب إلى هذه المفاوضات لا أن يدعى غيرهم، لأنهم من سيتأثر بهذا الاتفاق ويشعر كثير من العرب أن رفع العقوبات عن إيران سيزيد من عدوانها وتغولها في المنطقة ولن يصب في صالح السلام والاستقرار في المنطقة فالاتفاق لم يلتفت إلى الدور الإقليمي لإيران ولكن مع ذلك يرى العرب أن بيد إيران أن تبرهن لجيرانها وللعالم العكس فتتوقف عن تدخلاتها في المنطقة وتتواصل مع جيرانها من خلال الحوار البناء والتفاهمات المشتركة وإقامة جسور التعاون وبتعبير آخر بمقدور إيران أن تكون دولة طبيعية إذا تخلت عن مشروعها التوسعي وأوقفت أذرعها في المنطقة عن التدخل في شؤون الغير ومدت يد السلام للجميع، ملتزمة بمبادئ الأخوة الإسلامية وبميثاق الأمم المتحدة وعندها لن تجد إيران من العرب إلا الاحترام والعلاقات الأخوية وسيكون الاتفاق النووي المبرم عامل استقرار وإنجازا حقيقيا لصالح السلام يحسبه التاريخ لصانعيه على مر الأيام.