11 سبتمبر 2025

تسجيل

عمر في مجلس القضاء

23 يوليو 2014

اقترن ذكر عمر بن الخطاب بالعدل، وهو الفاروق الذي استطاع أن يفرق بين الحق والباطل، وعندما نذكره في مجالس القضاء نتذكر أن سيدنا أبا بكر جعله قاضيا في فترة خلافته وهذه لها إشارة قوية، حيث إن العدل هو قوام الدولة، ويحتاج إلى قاض له حزم وحسم، وقوة في الحق، ومهارات وملكات نقد الأقوال والآراء والترجيح بينها، وهذا كله توافر عند سيدنا عمر بن الخطاب الذي مكث عاما في مجلس القضاء في عهد سيدنا أبي بكر وكانت هذه الحكاية، رُوي أن أبا بكر – رضي الله عنه وأرضاه - عيَّن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه - قاضيًا على المدينة، فمكث عمر سنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، لم يعقد جلسة قضاء واحدة. وعندها طلب من أبي بكر – رضي الله عنه وأرضاه - إعفاءه من القضاء! فقال أبو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ قال عمر: لا يا خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟ فهذه القصة تبين وعي المجتمع بالحقوق والواجبات، بحيث باتوا قضاة على أنفسهم، ومن ثم خلت محكمة عمر من القضايا، ورأى أنه يمكن أن يخدم الدولة الإسلامية في موقع آخر يمكن أن يخدم الدولة الإسلامية، ولكن سيدنا أبا بكر أبقاه في منصبه، فهيبة عمر في الناس بالإضافة للرقابة الذاتية من المجتمع يعطي قوة لدولة أسست على العدل وحفظ الحقوق. ولما صار عمر خليفة كان يكتب لعماله بنصائح حتى يتأسس العدل، فمثلا كتب عمر رضوان الله عليه إلى معاوية وهو عامله على الشام: "أما بعد فإنّي لم آلُكَ في كتابي إليك ونفسي خيْراً. إيّاك والاحتجاب دون الناس، وأْذن للضعيف وأَدْنه حتى ينبسط لسانه، ويجترئ قلبه، وتعهَّد الغريب فإنَّه إذا طال حبسه وضاق إذنه ترك حقَّه، وضعف قلبه، وإنما أتْوى حقَّه منْ حبسه. واحرص على الصُّلح بين الناس ما لم يستبنْ لك القضاء. وإذا حضرك الخصمان بالبيِّنة العادلة والأيمان القاطعة فأمض الحكم. والسلام". وكتب عمر -رضي الله عنه- إلى أبي موسى الأشعري: "آسِ بين الناس في نظرك وحجابك وإذنك، حتى لا يطمع شريفٌ في حيْفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. واعلم أن أسعد الناس عند الله تعالى يوم القيامة من سعد به الناس، وأشقاهم من شقوا به" . و ينصح عمر بن الخطاب عند عقد اللواء قادة الجيوش جملة من النصائح منها: "ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة، فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه ولا يرزأ أحداً من أهلها شيئاً، فإن لهم حرمةً وذمةً ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها؛ فما صبروا لكم فوفوا لهم، ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح. إنها نصائح فريدة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب لترسي مبادئ العدل في دولة الإسلام