08 نوفمبر 2025
تسجيلإنا لنفرح بالأيام نقطعُها وكل يومٍ مضى جزءٌ من العمرِ، وكما الأعمار تفنى كذلك الأوقات تنقضي، فلكل بداية نهاية وهذا يقودني إلى ملاحظة العدد التنازلي لأيام شهر رمضان المبارك، أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير الكثير، وإنا لفراق شهر رمضان لمحزونون، كيف لا يحزن قلب المؤمن إذا فارقه شهر القيام، الشهر الذي تتصافى فيه النفوس وترق فيه القلوب، فالأيام الجميلة تمضي بسرعة.. تعلمنا في شهر رمضان النظام ووجدنا في صيامه الصحة، وهكذا تنقضي أيامه كلمح البصر، فهنيئاً لمن صامه وقام لياليهِ، كما لُوحظ فيه ازدهار الفعاليات الرمضانية والإفطارات الجماعية من أهل الخير والحملات التطوعية لدعم المشاريع الخيرية، وأشياء كثيرة جميلة نلاحظها في شهر رمضان، ترتفع في هذه الأيام أصوات المآذن لصلاة القيام، شعور بالقرب من الله، ودعاء يُبكي القلوب ويذرف الدموع، شعور بغبطة، أيامه الأخيرة كالضيف الذي يقرع علينا أجراس الرحيل، ونحن نودعه بأسفٍ وحزن شديد، فوداعاً شهر الهدى، كيف لا نحزن على رمضان، وهو الشهر الذي خشعت فيه القلوب واقشعرت الأبدان، كيف لا نحزن على فراقك يا رمضان وفيك ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر وهي ليلة القدر.ومن الملاحظ أيضاً اكتظاظ المساجد بالمصلين خصوصاً في الفترة المسائية لصلاة التراويح وصلاة القيام، ولكن السؤال المطروح: لماذا يقل عدد المصلين نسبياً بعد رمضان؟ وهل العبادة فقط في شهر رمضان؟ صحيح لشهر رمضان مناسبات عظيمة، كليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، وهو الشهر الذي أُنزلَ فيه القرآن الكريم وفيه غزوة بدر في السابع عشر منه، وهو شهر التوبة والغفران، وكان فيه فتح مكة، وفيه تتضاعف الحسنات، وهو ركن من أركان الإسلام، ولكن هذا لا يعني أن نقصر في العبادة في باقي شهور السنة، لذلك علينا إعادة النظر، بالالتزام في العبادة إن لم تكن بنفس القدر، وستفقد المساجد هذه الجموع من المصلين بعد انتهاء شهر رمضان، ولطالما اتخذنا هذه العبادة عادة في رمضان، نريدها أن تستمر في بقية الشهور الأخرى، و من علامة قبول الحسنة أن يتبعها العبد بحسنة أخرى، لذلك علينا بالاستمرار في العبادة بنفس النشاط، حتى نعيشها عادة وثقافة مجتمعية نغرسها في أطفالنا منذ صغرهم، ولنعش بين الخوف والرجاء، هاهو ضيفنا يلملم طقوسه ليودعنا، سنفتقد زحام الشوارع، سنفتقد امتزاج أصوات الأئمة بالمشاعر الروحانية التي تحف الطرقات، سنفتقد فرحة صغارنا في رمضان، ستتبدل أشياء كثيرة وستعود حياتنا لروتينها الممل من جديد، لنغتنم الباقي منه يوما بعد يوم فقد نكون من عتقائه، ومهلاً يارمضان لماذا هذه العجلة، نناشدك البقاء، فقلوبنا فاضت حزنا لرحيلك. والصيام قبل أن يُفرض في رمضان كان عبارة عن صيام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، وعندما فُرِضَ الصيام في المدينة أصبح صوم عاشوراء نفلاً وصوم رمضان فرضاً.. انقضى رمضان وفي قلوب الصالحين لوعة، وفي نفوس الأبرار حرقة، نرجو من الله أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وأن يغفر لنا ويرحمنا، فأنت فينا باقٍ أخاً مؤنساً وصديقاً مقرباً وضيفاً كريماً، ولفظ عبارة (أياما معدودات)، إشارة إلى أنها قليلة وأنها سرعان ما تنتهي، وهكذا الأيام الغالية والمواسم الفاضلة سريعة الرحيل، ففي أمان الله يا شهر رمضان، عيوننا تودعك وهي تفيض بالدمع، فهي لا تدري هل ستراك العام القادم أم لا؟ ويُقال: إنَ أجمل الوداع هو الأمل في اللقاء.