13 سبتمبر 2025

تسجيل

صنائع المعروف وسعادة الآخرين..

23 يوليو 2013

لقد أكد العلماء والخبراء والمربون والأطباء النفسانيون أن من أسباب سعادة المرء وسمو منزلته بين الناس وحصوله على الراحة النفسية في هذه الدنيا هو بذل المعروف وتقديم النفع للآخرين من حوله، ولا شك أن هذا خلق من أخلاق العظماء وهو من قيم الإسلام العظيمة وبه تخلق الأنبياء والصالحون وتسابق للقيام به أصحاب المروءة.. فالمسلم لا يعيش لنفسه وحسب بل لابد أن يتعدى نفعه وخيره للآخرين ورتب الله على ذلك الجزاء العظيم في الدنيا والآخرة وجعل أسعد الناس وأحبهم إليه أكثرهم نفعا لمن حوله قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وقال تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال تعالى: (ف َاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). وقال صلى الله عليه وسلم: (كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة).إن الناس معادن وكل واحد منهم يحمل بين جوانحه قيما وأخلاقا تعبر عن شخصيته وإن منهم مفاتح للخير ومغاليق للشر.. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه).إن مشاغل الحياة ومشاكلها وظروفها وأحوالها تقتضي أن يتعاون الناس مع بعضهم وأن ينفع بعضهم بعضاً وأن يبذل المعروف من يقدر عليه دون أن يطلب أحد منه ذلك ولا ينتظر من الآخرين أن يكافئوه أو يشكروه فالإنسان العظيم لا ينتظر جزاءه ممن حوله بل غايته أسمى وهدفه أكبر من ذلك ويكفيه ثواب الله ورضاه.. هذا موسى عليه السلام في أرض لا يعرف فيها أحد وهو خائف ومطارد من فرعون وجنوده ومع ذلك لم يتأن وهو يرى امرأتين ضعيفتين لا تسقيان بسبب الزحام وكثرة الرجال فبادر إلى بذل المعروف وتقديم النفع فسقى لهما قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) سقا لهما ثم تولى إلى الظل؛ ليشكر الله على ما حباه من النعم وهيئ له الأسباب لنفع الآخرين.. وكم دعا صلى الله عليه وسلم هذه الأمة إلى بذل المعروف وتقديم النفع للآخرين وكم حثهم على ذلك ورغبهم في هذا العمل بل وتمثل هذا الخلق وهذا السلوك واقعاً عملياً في الحياة فنفع الله به الصغير والكبير والرجل والمرأة والمسلم والكافر والطير والحيوان، وكان مما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو أمامة: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب) بل جعل سبحانه وتعالى الأمر بالمعروف من العلامات التي يعرف أهل الكتاب بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ). ثم أمر المسلمين بما أمر به نبيهم عليه الصلاة والسلام فقال: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).إن منع الآخرين من الانتفاع بما تقدر عليه وتستطيعه ولا تحتاج إليه له عاقبة وخيمة فإلى جانب سخط الناس وبغضهم فإن الله سبحانه يجازي العباد على أفعالهم جزاءً وفاقاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم)، فذكر منهم: (ورجل منع فضل ماء فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك) إن سيد القوم خادمهم هكذا قالت العرب قديماً ولذلك لما سأل أعرابياً أناساً من أهل البصرة: من سيد القوم في بلدكم؟ فقالوا الحسن أي البصري.. فقال بم سادهم؟ قالوا احتاج الناس إلى علمه فنفعهم واستغنى هو عن دنياهم..والله تعالى يقول: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) وعن أبى ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق).فلنحرص على بذل المعروف وتقديم النفع فأبواب الخير في هذا الجانب كثيرة والموفق من وفقه الله إلى كل خير.