16 سبتمبر 2025

تسجيل

ثورات الفاروق

23 يوليو 2013

لم تكن ثورات الفاروق عادية في تاريخ الإسلام، فهو شخصية شديدة الوضوح تصدع بما تؤمن به من أفكار، حتى ولو كانت هذه الأفكار باطلة، وهذا الوضوح تدعمه شجاعة وقوة، فهو إذا شخصية ثائرة، فقبل إسلامه كان ثائرا على النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى بلغت ثورته أن عزم على قتل الرسول –صلى الله عليه وسلم-، لكن عقله الذكي وقلبه النقي أبيا عليه إلا أن يسمع كتاب الله الذي أراد الهداية لهذا الثائر، فرق قلبه لآيات القرآن وأسلم وحسن إسلامه ليبدأ هذا الإسلام بثورة على قريش مهددا ومتوعدا إياهم أنه أسلم وسيهاجر إلى المدينة فمن أراد أن تثكله أمه أو ترمل زوجه فليتبعه خلف الوادي، ولم يجرؤ أحد أن يقرب من هذا الثائر الحق الذي أعز الله به الإسلام.واستقر الفاروق في المدينة ليكون هو والصديق رضي الله عنهما كبيرا وزراء النبي ومستشاريه، وليمثل الصديق والنبي جانب اللين والرحمة، ويكون في عمر جانب المهابة التي حرص النبي –صلى الله عليه وسلم – على أن تكون مرافقة لعمر –رضي الله عنه- فلها موطنها الذي سيحتاجها الإسلام.لقد ثار عمر في صلح الحديبية وقال: علام نعطي الدنية في ديننا؟ ليقول له الصديق الزم غرزك إنه رسول الله، وليخبره النبي بأن قبوله شروط الصلح ليس اجتهادا بشريا وإنما هو وحي إلهي.عن أبي وائل، قال: تكلم سهل بن حنيف يوم صفِّين، فقال: يا أيها الناس اتهموا أنفسكم، لقد رأيتنا يوم الحديبية، يعني الصلح الذي كان بين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبين المشركين، ولو نرى قتالا لقاتلنا، فجاء عمر إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: يا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بَلى، قال: ففيم نعطى الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنّي رَسُولُ الله، وَلَنْ يُضَيَّعَنِي أَبَدًا"، قال: فرجع وهو متغيظ، فلم يصبر حتى أتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر ألسنا على حقّ وهم على باطل؟ أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولمَّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله، لَن يضيعه الله أبدا، قال: فنزلت سورة الفتح، فأرسل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى عمر، فأقرأه إياها، فقال: يا رسول الله، أوفتح هو؟ قال: نَعَمْ".وقد تحدثنا عند وفاة الرسول عن ثورته وتحذيراته من التلفظ بأن محمد مات، ولكن هدأ من هذه الثورة الصديق رضي الله عنه وأما في خلافته فكانت ثورات عمر عندما تنتهك حرمات الله، خاصة إذا كان الأمر متعلقا بفتنة أو فساد على المسلمين، فتراه يتخذ من التدابير اللازمة لحفظ الأنفس والأموال والأعراض.ونستطيع أن نقول في ختام هذه اللمحة الموجزة إن عمر كانت له غضبات وثورات، فأما غضباته فكانت كثيرة أمام رسول الله وذلك عندما يريد أحد أن يجهل على النبي أو يعتدي عليه بقول أو فعل، وكان النبي يمنعه كثيرا ويعلمه دروسا في الحلم، ويقول يا عمر أما علمت الحليم كاد يكون نبيا؟لكن آراء عمر الراشدة كان القرآن يوافقها حتى أخذ من النبي شهادات وثناءات بالعلم والذكاء والإلهام، فرضي الله عن الفاروق الثائر الحق.