15 سبتمبر 2025
تسجيلفي رمضان تمر مواقف معنا قد لا نرى فيها شيئاً إلا إذا دققنا، واستخلصنا، مثلاً فلان رأى صاحبه موفقاً جداً وقد افتتح محلاً لتسويق (الكنافة والقطايف) عزم على فتح محل مثله رغم أنه لا يعرف من أمور الصنعة شيئاً، كان كل تصوره أن الأمر لا يحتاج إلا لصينية كبيرة مستديرة، موقد غاز، و(كوز) لرش السائل الأبيض ثم تكون الحلوى الشهية ومن ثم يحقق نجاحاً مثلما حقق صاحبه، (ما خد باله) أن مشروع صديقه نجح لأنه شارب الصنعة، (شغلته) وأن تلك الحلوى رغم بساطة تحضيرها وخبزها تحتاج إلى (معلم) فاهم في المقادير ونسبة الحرارة تحت الصاج، والوقت المحدد لرفع خيوط الكنافة ودوائر القطايف حتى لا تحترق. الخلاصة من هذه الحكاية أنها تشير إلى التخصص الذي هو أسلوب وحيد وأكيد لضمان نجاح أي عمل كبر أم صغر، رغم أن كثيرين على طول الخريطة العربية وعرضها لا يحترمون التخصص رغم أن المثل العامي نصح بإخلاص (إدي العيش لخبازه) لم نستمع هززنا اكتافنا للنصيحة واشتغلنا جميعاً خبازين كل مهنة، كل فتوى، كل شغلة، رغم علمنا بأن المهندس يبني بيتاً، والمدرس يبني جيلاً، والطبيب يجري العمليات الجراحية، وأن ثمة فرقاً مذهلاً بين عجينة الطعمية وعجينة خلطة المسلح، ورغم اعترافنا بضرورة هذه التخصصات المحترمة لا نتصور حجم الكارثة لو تبادل الجميع المقاعد وأخذ المهندس دور الطبيب، والخباز دور مدرس يدرس (المنطق)! يمكنكم تصور الكارثة التي سيكون معها احتراق الكنافة والقطايف على يد من لا يتقنها أقل كثيراً جداً من الضرر الفادح الذي يذهلنا وقد أجرى الخباز عملية قلب مفتوح، وقاد السمكري طائرتنا إلى حيث حتفنا، تذكرني هذه الحكاية بيوم ركضنا فيه بمدخراتنا للبورصة ونحن لا نفقه ماذا تعني كلمة (بورصة) ليضيع ما ضاع ونتعلم درساً موجعاً بعد خراب مالطة! رمضان كريم يا سادة. * * في رمضان، والدنيا حر، وأنت صائم، تعبان، حران، تقف في صف طويل منتظراً أن تفرج العين الخضراء المعلقة بالإشارة عن طابور السيارات الذي طال وقوفه لتتحرك وفي ذهنك ألف غرض طلبته المدام، تشعر بالضجر والضيق الذي يتحول إلى حنق وقد أتى أحدهم مسرعاً من آخر الدنيا متجاوزاً عشرات عشرات السيارات ليقف أول الجميع معطياً إشارة لك كي تفسح له ليدخل ضمن السرب متجاوزاً كل الواقفين وليشتعل من خلفه اعتراض لم يأبه به! ماذا تفعل في منظر كهذا (والأخ) المستعجل افترض أنه فوق الجميع، ويجب أن يمر قبل الجميع، وإن انتظر الواقفون إلى يوم القيامة مش مهم، الأهم أنه تجاوز وأصبح في المقدمة (الزعلان يطق راسه في الطوفة) كثيراً ما يحدث هذا المشهد وقد تستغيث العيون بالشرطة لضبطه، ومخالفته، لكن للأسف قد لاتتوافر لحظتها سيارة شرطة قريبة لتلاحظ المخالف المتجاوز وتستوقفه وهنا أسأل إدارة المرور: ما دور أي واحد "متغاظ" صايم وتعبان ومحترم القانون مع واحد لا يحترم القانون، ولا أي نظام، ولم تمر عليه العبارة الجميلة (القيادة فن، وذوق، وأخلاق) سؤال تاني: هل يمكن لأي "متغاظ" تسجيل رقمه وإيصاله لكم لعمل اللازم؟ بدينا في الشر اللهم إني صائم! * * أسأل المرور أيضا ماذا يمكن أن يفعل الواحد منا إذا ما رأى (واحد) محترم يبصق من شباك السيارة على الأرض؟ أو إذا ما رأى أحدهم أمام مركز تسوق، أو مركز صحي، أو مستشفى، أو مطعم، أو مدرسة وهو يبصق على الأرض؟ ماذا يمكن أن يفعل المتضررون أمام مشهد مقزز كهذا، أو أمام ما هو أفظع وقد اجتهد أحدهم ليفرغ سوائل أنفه على أي رصيف؟ ماذا نفعل مع من يمارس عادة (التف والنف) في الطريق، أي طريق ببساطة مفزعة؟ ينضرب؟ بدينا في الشر، اللهم إني صائم! * * في رمضان، تحية لشرطة المرور وقد أخذت مواقعها في كل مكان تحت هجير الشمس، ولفح الهواء الساخن لتؤدي دورها رغم الصيام ومشقته. * * في رمضان القنوات التعبانة مصممة على سرقة سكينة الناس، والفتك بهمة الروح التي أتعبها عام من الركض بعيداً عن حضرة الخشوع والسلام النفسي، القنوات الجهنمية مصممة على جذب الناس من شعورهم لتسمرهم أمام غثها، وإسفافها، وسقوطها، وقلة حيائها، ورقصها، وهجصها، ونفس الصوت يؤكد للمستسلمين (مش حتقدر تغمض عنيك) ياريت تكسفه وتغمض عنيك. * * من رمضان لرمضان سنة طويلة عريضة، مليانة ذنوب كبيرة، وصغيرة، بعضها وقعنا فيها بقصد وبعضها بدون قصد، بعضنا اليوم بكى، البعض تاب وأناب، والبعض راجع كل حساباته ليلة رمضان فعض على أصابعه وقد لمح الكشف مدينا بالخط الأحمر، وأسرع يصلح ما أفسده هو لا الدهر، ذنوبنا كتير، نقر بها عشماً في عفو الرحمن الستير، أنت سألت نفسك عملت كام ذنب؟ ما سألتش؟ مستني إيه؟ ده عمر سليمان كان مرشح نفسه لرئاسة مصر، دون أن يعرف إن ربنا مرشحه لحتة تانية خالص، اللهم استرنا ولا تسقط لحم وجوهنا خجلاً منك يوم نلقاك. • إنسانيات: • الذي لا تحب أن يقال لك، ينبغي ألا تقله للناس. • بالمودة يجتهد البعض كي يكسب كل يوم صديقاً، بينما يجتهد البعض بقسوته أن يخسر كل يوم صديقاً. • صحبة رمضان قد تكون ساحبة لخير وفلاح أو ساحبة لتضييع أثمن أوقات العمر بركة. • الذكريات الطيبة ترمم المشاعر الجريحة. • في رمضان العشرة، والعيش والملح ينادينا، هلمو نجتمع على المحبة كما كنا، ونصل ما انقطع من موداتنا الجميلة. • لماذا نعمق الاختلاف، وفي كل نفس طيبة، وفي كل روح مودة، وفي كل فم كلمة طيبة لم نفرج عنها بعد؟ • يفشل البعد في محو كل جميل، فرغم البعد يظل في قلوبنا أصدقاء وأحبة نحفظ وجوههم كما نحفظ وجوه أطفالنا. • لرمضان ثمة أزهار فاتنة لا يجني عطرها إلا الذي سهر عليها ومعها. • المحبة قارورة عطر نشم في أريجها وجوه أحبتنا الغائبين.