03 نوفمبر 2025

تسجيل

.. وما أدراك ما القرن الإفريقي؟!

23 يوليو 2011

تقرير (راتب) أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة (فاو) مؤخرا، يفيد بأن حوالي 12 مليون شخص في القرن الإفريقي يحتاجون إلى مساعدة عاجلة، حيث أُعلنت المجاعة في ذلك القرن المأزوم دوما.. مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الصومال، أشار إلى إن المجاعة تنتشر في منطقتين جنوب الصومال.. الخطير أن المجاعة ستطوق مناطق جنوب الصومال الثماني خلال شهرين.. "اوكسفام" وهي منظمة خيرية بريطانية اتهمت بالصوت العالي حكومات أوروبية (بالإهمال المتعمد) في ظل نقص في المعونات بقيمة 800 مليون دولار، وبطء الاستجابة الدولية لأزمة الجفاف التي تضرب منطقة القرن الإفريقي.. 800 مليون ليست إلا (بضعة ملاليم) يمكن أن يخسرها بسهولة دون أن يلقي لها بالا، أي أوروبي أو أمريكي متنطع في ليلة قمار حمراء.. الخبراء يقولون إن الجفاف هو سبب المحنة هناك، جفاف يتسبب فيه الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.. آلة الصناعة الغربية الضخمة تنفث انبعاثاتها الغازية مسببة الأذى الجسيم.. دعاة البيئة بحت أصواتهم وجف ريقهم وهم يحذرون المفسدين في الأرض.. أمريكا أكبر دولة باعثة لهذه السموم رفضت التوقيع على اتفاقية كيوتو التي تدعو للحد من هذه الانبعاثات وتتعلل بأن ذلك سوف يؤثر في اقتصادها وليتها فعلت، فالطامة جاءتها من حيث لا تحتسب فسلط الله عليها غول الأزمة المالية، بيدي لا بيد عمرو.. حجم المساعدات الإنسانية التي تحتاج المنطقة المأزومة وفقاً لنداءات الأمم المتحدة، 1.87 بليون دولار!! القرن الإفريقي منطقة إستراتيجية تضم مضيق باب المندب، جنوب البحر الأحمر. وتقدر مساحة القرن بمليوني كم2، ويسكنها نحو 90 مليون نسمة، وتضم جيبوتي والصومال واريتريا ويجاورها كينيا وإثيوبيا.. ليس القرن الإفريقي منطقة إستراتيجية وحدها ولكن كل إفريقيا التي تضم القرن، منطقة إستراتيجية للعالم العربي الذي لا يبدو أنه يدرك هذه الحقيقة. قبل حوالي (10) سنوات عثر باحثان بجامعة كاليفورنيا في بيركلي على ثلاث جماجم تعود إلى أقدم الأشخاص الذين ينتمون إلى نوع الإنسان المعاصر، والذين تعرّف عليهم العلماء حتى الآن. ويرجع تاريخ الجماجم، التي عُثر عليها في منطقة أثرية معروفة في شمال شرقي إثيوبيا، إلى 160 ألف عام مضى، وهي لشخصين بالغين وطفلٌ، ووُصفت بقايا الجماجم بأنها أقدم دليل بين المتحجرات يُشير بوضوح إلى عملية تطور الإنسان الحديث، وشهادةٌ جديدة على أن الإنسان تحدّر من جد إفريقي مشترك. وهذا الاكتشاف أقدم بحوالي 60 ألف عام من أي عينات سابقة لبقايا بشرية عُثر عليها من النوع البيولوجي للإنسان الحديث المعاصر المعروف باسم "هومو سابينز"، ولذلك فهي تمثّل الجسر التشريحي بين الأجداد الأوائل للإنسان الذين تحدّروا من إفريقيا، وبين الجيل الحالي للإنسان المعاصر الذي بدأ يظهر في أرجاء الأرض قبل 100 ألف عام، ومن المعلوم كذلك أن أول من صنع الآلات هو الإنسان الزنجي (الإفريقي)، والذي أُكتشف عند مضيق الدوفيا في شمال تنجانيقا، هذه المعلومات أردت أن أدلل بها على أهمية القارة الإفريقية على غير ما يعرف عنها من صورة نمطية سالبة. لاشك أن فصل جنوب السودان نتيجة حتمية لخلل كبير في الأمن القومي العربي وهو أمر لا يبعد الشقة بين السودان وإفريقيا فحسب، بل ربما بين العرب والأفارقة.. البعد الاستراتيجي لإفريقيا يكمن في أنها مستودع مهم للمواد الأولية، ولم يكد يتم استغلال ما يزيد على الطبقة السطحية من أرضها إلى اليوم، ومع ذلك فإنها تنتج ما يقرب من 98% من إنتاج العالم من الماس و55% من ذهبه و22% من نحاسه مع كميات ضخمة من معادن جوهرية مهمة كالمنجنيز والكروم والأورانيوم. ويوفر غرب إفريقيا الآن، 15% من واردات النفط الأمريكية، ويتوقع مسؤولون أمريكيون بأن يشكل النفط الإفريقي 25% من واردات بلادهم النفطية بحلول عام 2015م. ربما لا نجد عناءً كبيرا بحثا عن الروابط الأزلية بين العرب والأفارقة، سواء كانت روابط دم، أو دين، أو ثقافة، أو غيرها؛ وهي روابط فرضها القرب الجغرافي، فالعلاقات بينهما علاقات قديمة قدم التاريخ، وتعود إلى أكثر من ألفي سنة.. بعض المصادر التاريخية تُؤكّد أن عرب شبه الجزيرة العربية هم أقدمُ من وصل إلى ساحل شرق إفريقيا، حيث اختلطوا بالسكان المحليين وأقاموا المراكز التجارية. وتعطي بعض الأرقام صورة عن أهمية الترابط الجغرافي إذ إن أكثر من نصف العرب يعيشون في إفريقيا (حوالي 60%)، و25% من الأفارقة هم عرب، وأكثر اللغات التي يتحدث بها أهل إفريقيا هي اللغة العربية بيد أن العروبة ليست دعوة عنصرية وهي في مفاهيمها القومية بعُدت عن ذلك الداء وأصبحت ثقافة لغوية تضم أعراقا شتى فيهم الأبيض والأسود وما بينهما من ألوان الإعلام الغربي يوحي إلى الأفارقة بأن العرب هم أول من استعمر إفريقيا، وأنهم اليوم وراء الأزمة الاقتصادية العالمية والتضخم النقدي نتيجة سياستهم النفطية.