15 سبتمبر 2025
تسجيلالإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام، ظاهرة ليست جديدة على العالم الغربي تحديداً، والتي انتقلت بعد ذلك إلى العالم الشرقي غير المسلم. وقد ظهرت بادئ ذي بدء في أوائل القرن العشرين (1910) حتى قاربت على التلاشي بعد ظهور كثير من الكتابات لمفكرين ومصلحين من الجانبين الإسلامي والغربي تقلل من شأنها. لكن قيام الثورة الإيرانية وتبعاتها في بدايات الثمانينيات (1980) من القرن الفائت، دفعتها للحياة مرة أخرى ليستخدمها كل من له مصلحة في مهاجمة الإسلام والمسلمين، حتى هدأت مؤقتاً أثناء الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي (1980 - 1989) لحاجة في نفس الغرب، لتعود سريعاً بعد أحداث سبتمبر (2001) وتشتد ضراوة وتنوعاً إلى ساعة الناس هذه، سواء في الغرب أو الشرق، ما يفيد أن المسألة أشبه بورقة يستخدمها السياسيون تحديداً لمصالح معينة، قصيرة كانت أم طويلة المدى. وما يجري على الساحة الهندية منذ شهور قليلة ماضية من استهداف واضح للأقليات، لاسيما المسلمون، دليل جديد على ما نقول. الإسلاموفوبيا القديم الخوف من الإسلام من الناحية التاريخية، كان قد حدث فعلياً منذ أن ظهرت دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في مكة. نعم، خاف المشركون من هذا الدين الجديد، لاسيما كبار القوم وزعماؤهم، أو بلغة اليوم، السياسيون والتجار والمشتغلون بالدين. ولم يكن إظهار الخوف من الإسلام بدوافع الحب والغيرة على معتقداتهم الوثنية، لكن كان دافعه المحافظة على مصالحهم الآنية، سواء عند السياسيين أم التجار أم المشتغلين بالدين. الخوف هذا أو رهاب الإسلام انتقل بعد استقرار الدين الجديد بالجزيرة العربية، واهتداء الناس إلى نور الله والحق المبين، ليدخل أجواء القوى الكبرى بالعالم آنذاك، لاسيما الإمبراطورية الرومانية النصرانية، والفارسية المجوسية، خصوصاً بعد وصول أخبار الانتصارات العسكرية للمسلمين على الوثنيين في الجزيرة، ودخول الناس في دين الله أفواجاً أفواجا.. هذا الأمر استدعى رفع حالة الطوارئ عند زعماء وسياسيي تلك القوى العظمى، وبالمثل عند المشتغلين بالدين من الرهبان والقساوسة والكهنة. ذلك أن الإسلام كما كان في تصورهم، إن وصل إليهم فإنه سيضرب مصالحهم الشخصية بصورة وأخرى، أو هكذا بدت لهم صورة الإسلام، دون محاولة تدبر وتأمل وبحث عن الحق. ولكي تبقى مصالحهم في مأمن، كان العداء وصناعة العداوة، إلى أن أذن الله بزوال تلك الإمبراطوريات. الإسلاموفوبيا الجديد اليوم، وكما أسلفنا في المقدمة، صار كل من يرغب في الحفاظ على مصالحه الشخصية من السياسيين والمشتغلين بالدين والتجار ومن على شاكلتهم في العالم غير المسلم، وكذلك وللأسف الشديد في بعض مناطق من العالم الإسلامي، يبدأ يستخدم ورقة التخويف من الإسلام، بعدما كانت تلك الورقة قبل عقود مضت، متمثلة في التخويف من الشيوعية. تجد إبداعات ومهارات عديدة في تشويه صورة هذا الدين، وبث كل ما يمكن بثه ونشره من مواد إعلامية، وتعزيزها وتكرارها، لتصنع من تلك المواد المزيفة والمضللة، صورة ذهنية عن الإسلام والمسلمين غاية في السوء، أو هكذا هي مقاصدهم في خططهم الاستراتيجية القصيرة أو طويلة المدى. لاحظ أن أي حزب سياسي في العالم غير المسلم، وكوسيلة من وسائل كسب الأصوات والتأييد الشعبي، يستخدم ورقة الإسلاموفوبيا في حملاته الإعلامية. يدري هذا الحزب وأمثاله كثير حول العالم، أن الاشتغال والعزف على وتر التخويف من الإسلام وأتباعه، يبث نوعاً من الحساسية تجاه أي فكر أو ثقافة إسلامية وإن كانت قمة في الاعتدال، دون بذل بعض الجهد في البحث عن صحة مزاعم تلك الأحزاب أو المنتفعين من التلويح بورقة الإسلاموفوبيا، الذي يساعد التلويح بها أيضاً على بث مشاعر معادية تجاه العالم الإسلامي بشكل عام، وتحديداً تجاه المواطنين المقيمين في العالم غير المسلم، الذين اكتسبوا جنسيات الدول التي هاجروا إليها منذ عقود طويلة بقصد الإقامة والمعيشة الدائمة. الآن يتم إثارة تلك الحساسية بين مواطني أي دولة غير مسلمة، من قبل أحزاب سياسية حاكمة أو تتطلع إلى الحكم، وضرورة التمييز بين المواطنين على أساس من الدين، على رغم أنها جميعاً دول تزعم أنها لادينية أو علمانية، لكن يبدو الأمر عكس ذلك حين تبرز قضايا فيها مسلمون. حيث تتغير مبادئ وقيم العلمانية التي يؤمنون بها كنظام تقوم عليه أسس دولهم ! شاهد ما يحدث بالهند على سبيل المثال، التي تزعم أنها علمانية وديمقراطية. شاهد كذلك ما يحدث في فرنسا، التي أضحت سنوات وهي تفتخر بعلمانيتها وقيم ثورتها. شاهد في دول أوروبية أخرى، كيف تسعى الأحزاب اليمينية لاستغلال الصورة الذهنية المشوشة عن الإسلام والمسلمين في تنفيذ أجندتها والوصول إلى الحكم. الإسلاموفوبيا العربية أما في العالم العربي، فأغلب الأنظمة الحاكمة لا تختلف عن نظرائها في العالم غير المسلم في مسألة استغلال ورقة التخويف من الإسلام، مع تعديل في بعض المصطلحات، لتكون ورقة ما يسمى بالإسلام السياسي، شبيهة بورقة الإسلاموفوبيا المستخدمة في العالم غير الإسلامي. غالبية الأنظمة العربية تخوف شعوبها من أي فكر إسلامي أو أحزاب إسلامية تتنافس مع غيرها من الأحزاب في سبيل الوصول للحكم وإدارة الدولة، شأنها شأن كل الأحزاب الأخرى. تجد الحاصل الآن هو تخويف وتشويه وتحريف، بل زاد عما يحدث في العالم غير المسلم، حيث التخبط في مسألة الاعتقالات، والمبالغة في الملاحقات والتهديدات المباشرة وغير المباشرة، وغيرها من صور الظلم والتعسف، والأمثلة كثيرة لا تحتاج لكثير شروحات وتفصيلات. دع ما لقيصر لقيصر كثير من المثقفين أو النخبة في العالم العربي، ينادون بالعلمانية كمنهج حياة يمكن أن تسير عليه الدول الإسلامية، من أجل الخروج من الأزمات الكثيرة التي تعيشها، لا سيما أزمة التطرف والتعصب الديني، أو هكذا هو الزعم. تراهم في قلق وتوتر من انتشار ظاهرة التدين والالتزام بالدين أو الرجوع إليه، وتخويف الناس بأن تلك العودة إلى التدين، خطر على الدولة بشكل عام، مع إمكانية أن تتحول الدولة إلى دينية متزمتة، دون أي دلائل علمية وواقعية صلبة تؤيد تلك المزاعم، مضيفين إلى أن الحل الأفضل والأمثل هو العلمانية، مع إبقاء الدين بشعائره وشرائعه، محصوراً في الجوامع والمساجد، ومرددين مقولة منسوبة زوراً وكذباً إلى المسيح عيسى بن مريم - عليهما السلام -: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله. أي باللغة الحاضرة العصرية، فصل الدين عن الحياة أو السياسة تحديداً.. وهل الدين إلا سياسة حكيمة للحياة؟ ما الحل ؟ لا شك أن هناك نماذج سيئة من المسلمين تشوه قيمنا وثقافتنا الأصيلة، لكنها قلة قليلة لا تظهر أمام مئات الملايين في هذه الأمة. لكن حين تقوم وسائل الإعلام الأجنبية عن عمد وتجاهل في كثير من الأحيان، بتغييب النماذج الواعية الحكيمة والراقية في فكرها ورؤيتها للأمور في المجتمع المسلم من مشرقه إلى مغربه، في وجود تأييد واضح من بعض وسائل الإعلام العربية المتفرنجة أو المتصهينة، وتسلط الأَضواء على آخرين أقل حكمة وعلماً وثقافة وإدراكاً، وتبرز الجوانب السلبية من حياة الإنسان المسلم أو المجتمع الإسلامي بشكل عام، فمن المؤكد أنها تقوم بعملية غسيل مخ عابرة للحدود، ترسّخ بواسطتها صورة ذهنية غاية في السوء والتشويه عن المسلمين، والتي قد تحتاج إلى سنين عديدة، وجهود إعلامية مستمرة وكبيرة ومتنوعة لتغيير تلك الصورة. فما الحل؟ الحل يكمن عندنا أولاً في الداخل الإسلامي، قبل أن نذهب بعيداً إلى خارجه. نحن من يجب عليه رسم الصورة الذهنية الإيجابية أولاً عن أنفسنا، كي يرسمها غيرنا أيضاً. نحن من عليه أن يحترم نفسه ويقدّرها أولاً كي يحترمه ويقدّره الآخرون كنتيجة طبيعية وبالضرورة. فهكذا هي قوانين التعاملات بين البشر. هناك نوابغ ومفكرون واستراتيجيون ومثقفون وأدباء وكتّاب، مثلما هناك أطباء ومهندسون وعلماء ومخترعون في تخصصات علمية مختلفة، هم بمثابة نماذج وصور مضيئة مشرقة في العالم الإسلامي، وحين يتم تغييبهم عن عمد في وسائل الإعلام الإسلامية قبل الأجنبية، ولا تُعطى لهم نفس المساحات المتاحة لغيرهم من صعاليك المجالات الأخرى، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، فلا يجب إذن أن نلوم، والحال هكذا، الغريب الأجنبي إن هو بدأ في رسم صور سلبية عنا. من هنا أقول في خاتمة هذا الحديث: إن الحل يبدأ من إعلامنا عبر تهذيبه وتنظيفه من شوائب الفرنجة والصهينة المتغلغلة في شبكاته وإداراته، والكف عن تشويه صورتنا بقصد أو غير قصد، قبل أن نطالب إعلام غيرنا بذلك، ولا شك عندي أن هذه أولى وأصعب خطوات تغيير صورتنا السلبية في أذهان العالمين، تتبعها خطوات أخرى أسهل وأيسر بإذن الله. والله كفيلٌ بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.