26 أكتوبر 2025

تسجيل

حقائق عن واقع الاقتصاد الخليجي تكشف لماذا فشل حصار قطر

23 يونيو 2019

ميزات نسبية للاقتصاد القطري مقابل ضعف التركيبة البنيوية لاقتصاديات دول الخليج دول الحصار لا يوجد لديها الكثير مما تتبادله أو ما تضغط به على قطر الاقتصاد القطري الأفضل صلابة وقوة حتى وهو تحت الحصار قطر تبنت مجموعة من السياسات لدعم الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعات قطاع الاستيراد أكثر مرونة وأقل انكشافا على دول الحصار بعد التحول لوجهات بديلة قبل عامين، وبعد أسبوع من فرض حصار قطر، ذكرت أن الاقتصاد القطري سيخرج من هذا الحصار أقوى مما سبق. فكيف هو الاقتصاد القطري الآن؟ وكيف واجهت قطر هذا الحصار؟ نستطيع القول إن الاقتصاد القطري كان مستعدا تلقائيا الى حد كبير لهذا الحصار لعاملين أساسيين، وهما ضعف التركيبة البنيوية لاقتصادات دول مجلس التعاون، وبعض الميزات النسبية التي يتمتع بها الاقتصاد القطري. ◄ حقائق عن الاقتصادات الخليجية ولمعرفة لماذا فشل حصار قطر، يجب علينا أولا معرفة بعض الحقائق عن الاقتصادات الخليجية. فهذه الاقتصادات ضعيفة هيكليا، بمعنى أنها جميعها متخصصة في استخراج مورد واحد وهو النفط، وتصديره للعالم الخارجي، واستيراد في المقابل ما تحتاج اليه من سلع استهلاكية ورأسمالية وعمالة من الخارج عبر البحار والأجواء الدولية المفتوحة. لذلك لا يوجد لديها الكثير مما يمكن أن تتبادله فيما بينها أو ما تضغط به على قطر من خلال الحصار التجاري. وظلت التجارة البينية في دول المجلس تراوح مكانها عند 10% من مجموعها تجارتها الخارجية لعقود حتى الآن. فبعد أكثر من نصف قرن من تصدير النفط، فشلت دول المجلس في تنويع اقتصاداتها، وبالتالى فشلت أيضا في التكامل الاقتصادي بينها وذلك لأسباب سياسية وعوامل اقتصادية. بل ان دول المجلس هي نفسها من دمر التكامل الاقتصادي فيما بينها (ومن أمثلة ذلك: الاتحاد النقدي، والربط بشبكتي، امداد بالغاز الطبيعي وسكك حديد، ومد جسر بين قطر والبحرين..وغيرها)، وهي من قوض الاتفاقية الاقتصادية الخليجية الموحدة من أساسها، وهي الآن تدمر التعاون والتجارة الدولية بينها. لذلك لايوجد الآن الكثير مما يمكن أن تضر به هذه الدول قطر، أوما يمكن أن تخسره هي أو قطر من جراء هذا الحصار. فهذه الدول لم ترتبط أساسا بعلاقات اقتصادية قوية ولا منظومات وحدوية يمكن أن يؤدي تفككها الى زعزعة الاستقرار الاقتصادي أو خسائر اقتصادية كبيرة تتكبدها هذه الدول. هذه هي البيئة الاقتصادية الخليجية التي ولد بها الحصار. ◄ صلابة وقوة الاقتصاد القطري بالإضافة الى ذلك، فالاقتصاد القطري ليس بالاقتصاد الضعيف في هذه المجموعة بل هو من أفضلها أداء وصلابة حتى وهو تحت الحصار. فهو يتمتع ببعض الخصائص والميزات النسبية التي مكنته من مواجهة الحصار وتحييد آثاره. ويكمن تصنيف السياسات الاقتصادية التي تبنتها قطر بنوعين: سياسات اقتصادية سليمة قبل فرض الحصار وسياسات اقتصادية سليمة مضادة للحصار بعد فرضه. ففيما يتصل بالنوع الأول، فقطر تبنت مبكرا سياسات اقتصادية كلية سليمة لاستغلال الموارد الطبيعية الضخمة وبناء اقتصادي حقيقي قوي وقادر على امتصاص الصدمات خلال عقدين أو أكثر قبل فرض الحصار وذلك من خلال الاستثمار في: - بنى إنتاجية من خلال تأسيس أكبر بنية تحتية لانتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال في العالم، وهذا شكل مصدر دخل مستقرا لقطر الى حد مقبول خلال الأزمات السابقة وخلال هذه الأزمة. - بنى تحتية (من شبكة اتصالات ومواصلات وموانئ ومطار) حديثة ومتطورة، تربط قطر بالعالم الخارجي وتساعدها على تجاوز الحصار الآن، والوصول الى مصادر الاستيراد الأصلية والبديلة. - بنى استثمارية، لتركيم واستثمارعوائد القطاع الهيدروكربوني وتوزيعها جغرافيا عبرالعالم واقصاديا عبرالاصول (المالية والحقيقية، كالنفط والصناعة وغيرها) لتستخدم لادارة الدورة الاقتصادية وتعزيز الاستقرارالاقتصادي في أوقات الركود والأزمات، ولتنويع مصادرالدخل وحفظ حقوق الأجيال. -تبني سياسات احترازية كلية متحفظة لتحصين القطاع المالى مبكرا مع بداية ارتفاع أسعارالنفط وبداية الدورة المالية، مع بدايات العقد الماضي في عامي 2004-03، وهذه شكلت درعا واقيا للقطاع المالى ضد الصدمات والأزمات المالية السابقة والحالية. هذه السياسات والبنى التحية تؤتي أكلها الان وتشكل روافد لدعم استقرار واستمرار الاقتصاد القطري في وجه الحصار. ◄ السياسات المضادة للحصار أما فيما يتصل بالسياسات المضادة للحصار بعد فرضه، فيمكن تصنيفها بنوعين: ا) سياسات في الآجل القصير لموجهة أثر الصدمة وتعزيز استقرار قطاع الاستيراد والقطاع المالي، من خلال الدعم والتدخل المباشر وتحويل خطوط ومصادرالامداد الى وجهات بديلة، وتوسعت الطاقات التخزينية لأغراض الأمن الغذائي والامداد اللوجستي لضمان تدفق السلع بالاسعارالمناسبة؛ وكذلك ضخ سيولة في القطاع المالى للتعويض عن خروج روس أموال (معظمها لدول الحصار) وتعزيز استقرارالعملة والاستقرار المالي. ب) سياسات على الآجل المتوسط الى الطويل، وهي تتركز حول العمل على تنويع الاستيراد والانتاج، والاعتماد أكثرعلى الذات، والحد من الانكشاف على دول الحصار، وبناء اقتصاد قوي بمعزل عن جيران لا يوثق بهم لتجنب التعرض للصدمات وزعزعة الاستقرار الاقتصادي مستقبلا. ففي القطاع الحقيقي: تبنت قطر مجموعة من السياسات لدعم الانتاج الزراعي والحيواني والصناعات الخفيفة وجذب السياحة والاستثمار، وتنويع الشركاء التجاريين والماليين، وهي مستمرة في برامج البنى التحتية وكأس العالم، وفِي تراكم وتنويع الاستثمارات الخارجية اقتصاديا وجيو اقتصاديا (لبناء علاقات على مصالح مشتركة مع دول مؤثرة على الساحتين الاقتصادية والسياسية العالمية)، وزادت انتاج الغاز الطبيعي لدعم الاحتياطات والنمو والثقة في الاقتصاد وتقوية علاقات قطر الجيو اقتصادية، من خلال ربط صادراتها بدول مؤثرة اقتصاديا وسياسيا على الساحة العالمية. ويبقى قطاعا النقل والسياحة الأكثر تضررا بالحصار نظرا لظروف الجغرافيا، وقد تبنت قطر سياسات لجذب السياحة ودخلت في شراكات مع بعض خطوط الطيران العالمية الاخرى. ◄ قطاعات تأثرت إيجابيا ومن القطاعات التي تأثرت ايجابيا بفعل الحصار، قطاعات الانتاج الحيواني والزراعي والصناعات الخفيفة والامداد اللوجستي (فأصبح هناك زيادة وتنوع في الانتاج مع قدر جيد من الاكتفاء الذاتي بدرجات متفاوته)، وأصبح قطاع الاستيراد أكثر مرونة وأقل انكشافا على دول الحصار بفضل تحويل خطوط الامداد الى وجهات بديلة والى مصادر الاستيراد الأصلية مباشرة دون الحاجة للعبور عن طريق دول الحصار. اذن نستطيع القول إنه أصبح هناك مرونة أكبر في الاستيراد وتنوع أكثر في الانتاج وانكشاف أقل على دول الحصار. فالحصار أتى بنتائج عكسية، على غير ما تشتهي دول الحصار. فعوضا عن اضعاف الاقتصاد القطري، عمل الحصار على تقويته، واعتماده أكثرعلى الذات، والتنويع بالضرورة، وهذه نتائج ايجابية، جعلت من الحصار بمثابة جرعة تحصين لاكساب الاقتصاد القطري المناعة والقوة، فرب ضارة نافعة. لقد أثبت الاقتصاد القطري أنه من أكثر الاقتصادات الخليجية صلابة في وجه الصدمات، وأفضل اداء من اقتصادات محاصريه. ◄ توقعات بأداء قوي وتقدر التوقعات أن يصل معدل النمو السنوي للاقتصاد القطري على المدى المتوسط حتى عام 2020، الى 3% (يدعمه في ذلك ارتفاع انتاج وأسعارالنفط والغاز، والانفاق الحكومي السخي على برامج البنىية التحتية وكأس العالم، وسياسات دعم وتنويع الانتاج في القطاع الحقيقي)؛ مع فوائض في الميزانية والحساب التجاري (بمعدل سنوي 4.7% و8.7% على التوالي من الناتج المحلي الاجمالي حتى 2020 )، ومعدل تضخم سنوي معتدل عند 2% حتى 2020. ◄ التحديات المستقبلية ويبقى التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد القطري على المدى الطويل هو التنويع بعيدا عن الموارد الهيدروكربونية الناضبة والمعرضة لتقلبات أسعار الطاقة ومفاجآت التكنولوجيا وعلى الاقتصاد الريعي الكثيرة. والعنصر الأهم والتحدي الأصعب في تنويع الاقتصاد هو بناء رأس المال البشري. اذن، أكبر تحد يواجه الاقتصاد القطري مستقبلا هو بناء رأس المال البشري وليس حصار قطر.