13 أكتوبر 2025

تسجيل

أهمية عامل التنبؤ في إنجاح التنمية المستدامة

23 يونيو 2019

بناء قدرات الإنسان على التعامل مع المعطيات العصرية إذا نظرنا للإنسان في مُجريات حياته اليومية، فإننا نراه يتكلم بسلاسة وبتركيز في الموضوع ويستطيع اختيار الكلمات والجُمل، وأن يستمر في الحديث دون اختيار كلمات أو جمل. وهذا يعني أن هناك قدرةً لغويةً كامنةً لدى البشر للتنبؤ بحاجة الإنسان الذي يملك ملكة الكلام السلس دون مزيد من الجهد الفكري. والإنسان يتأثر بالحاضر أكثر من تأثره بالماضي، لكن الماضي والحاضر يساعدان الإنسان على التنبؤ بالمستقبل في مناحي الحياة ويمكناه من الاستمرار في عملية التنمية. ونرى ترجمة هذا في واقعنا من خلال المصطلحات التي نستخدمها في كثير من عملنا سواء التنموية أو الحياتية، فنرى كلمات كالرؤية أو التصور أو خريطة الطريق، وكل هذه المصطلحات بها قدر كبير من التنبؤ والتخطيط الإستراتيجي يكون مبنيا على التنبؤ أيضا. ولسنا مبالغين في أن نقول إن كل ما يفعله الإنسان له علاقة بالتنبؤ، فما تحدثنا عنه من إستراتيجية وأيضاً قدرتنا على التغيير أو قدرتنا على التحول، يقوم أساساً على التنبؤ؛ لذلك فإن الحديث عن التحول من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الرقمي وإلى اقتصاد المعرفة يحتاج إلى التعامل مع المستقبل والتنبؤ بحاجة الإنسان وحاجة المجتمع؛ ومن هنا فعملية التحول من الاقتصاد التقليدي للرقمي وإلى مجتمع المعرفة، كلها توقعات أو تنبؤات بأن هذا المسار هو المسار الأهم لمتابعة الحياة وهو مسار البشرية خلال المراحل القادمة. وإذا كان التنبؤ مهماً لهذه الدرجة، فإن السؤال الملح هو التفكير في المستقبل وكيفية تحوله، إن الخيال العلمي والتطورات الأخيرة التي ترتكز على الذكاء الآلي (الصناعي) هي في الحقيقة تفاعل مع الواقع واستفادة من الماضي واستشراف للمستقبل الذي يعد الهامش الذي يمكننا من التفاعل وتبني التوقعات لما قد يحدث في المستقبل. وإذا كان هذا الكلام واقعياً، فالسؤال... إلى أي مدى تستطيع الدولة وأجهزتها والحكومة وقطاع الأعمال أن تتعامل مع هذا العامل بشكل يُمكنّهم من النجاح والاستمرار في المستقبل، وما هي المهارات، وما هي العلوم والمجالات التي يجب أخذها في الحسبان من أجل تحقيق تطلعات الإنسان والمؤسسات العامة في القطاع العام ومؤسسات قطاع الأعمال، وما الأمور التي تسمح أو تدعم القدرة على التنبؤ بدقة؟ الآن لا نتحدث عن التنبؤ فقط، ولكن التنبؤ بدقة، وكما يعلم الجميع فإن معظم النماذج المحاسبية والحسابية والعلمية الهدف منها القدرة على توقع المستقبل، ولذلك نرى علوم الفيزياء والكيمياء لها أهميتها بالنسبة للبشرية، ونرى إلى أي مدى علوم الفيزياء والنظريات الفيزيائية والمعادلات يتم استخدامها من أجل بناء التقنيات الحديثة وخاصة بالنسبة للميكانيكا وعلوم الفضاء وغيرها، إذاً الجانب التنبؤي والقدرة على بناء نماذج تُمكن من البناء والإعداد للمستقبل هي العامل الأهم بالنسبة للبشرية بشكل عام. وإذا كان هذا صحيحاً، فكيف إذا نبني مؤسسات في القطاع العام وقطاع الأعمال؛ لتمكين مؤسساتنا عامة، وخاصة من أن تقوم بأفضل دور، وأن تقوم أيضاً على المواءمة مع تحولات المستقبل ومع المتغيرات؟. إن أحد أهم العوامل التي تمكننا من التنبؤ بدقة يتمثل في البيانات وجمعها وتحليلها والاستفادة منها بقدر الإمكان. إن علينا أن نبني تصوراً أو فهماً أو إدراكاً لملكة التنبؤ والعوامل والعناصر التي تدخل في تقويتها وتمكينها من تحقيق تنبؤات دقيقة، بداية من البيانات وجمع البيانات وتحليل البيانات، وهذا الآن نراه في الشركات المتقدمة على المستوى العالمي؛ لأنها تبني الكثير من تنبؤاتها وقدراتها على التنبؤ بتحليل البيانات، لأن هناك نموذجا لترتيب البيانات يستخدم كجزء من التنبؤ، وهناك جانب يُبنى على العلوم وعلى المستوى التعليمي ومستوى المؤسسات التعليمية والقدرة على بناء الإنسان للتعامل مع المعطيات العصرية والحديثة. إن الجانب المهم أيضا في تمكين مؤسساتنا على التنبؤ بدقة بالنسبة للمستقبل هو البحث والتطوير، فالجانب البحثي مهم في الإعداد ثم تطويره وخلقه وتحويله إلى معلومات مهمة ومنتجات مهمة بالنسبة لمؤسساتنا وبالنسبة لصناعة القرار ومن أجل اتخاذ القرارات التي تكون أكثر قدرة على التعامل مع الأحداث في المستقبل من أي طرف، فقدرتنا على التنبؤ بالأحداث وبالاحتمالات في المستقبل تخلق خيارات ذات جودة عالية، وتمكن صانع القرار من اتخاذ القرار الأقل مخاطرة والأكثر نصيباً وحظاً في النجاح. على الجانب الآخر لابد من إيجاد أقسام أو دوائر أو أجهزة دورها التنبؤ ورفع دقة التنبؤ بالنسبة لمختلف مؤسساتنا في الداخل والخارج. وطبعا النظام التعليمي له دور كبير في تحديث نوعية المهارات والقدرات والإمكانيات والعلوم وأسلوب التعامل مع الطلبة وهو ما يخلق لدينا أفرادا قادرين على توجيه طاقاتهم وقدراتهم في دعم القدرة على التنبؤ بدقة. إذا كان هذا صحيحاً... فإن قدرة أي مجتمع على البقاء والاستمرار أو أية مؤسسة تتوقف على قدرتها على التنبؤ بدقة، وإذا كان هذا المفهوم حقيقيا فإننا نستطيع أن ننسب التغيرات أو تقدم مجتمع على مجتمع أو تقدم مؤسسة على مؤسسة، وقدرة تلك المؤسسات أو المجتمعات على التوقع والتنبؤ بالأحداث المستقبلية بدقة أكبر من غيرها، وهذا هو العامل الذي يُمكن من النجاح بالنسبة لمؤسساتنا على المستوى العالمي.