16 سبتمبر 2025

تسجيل

أكذب من سجاح

23 يونيو 2015

سجاح التميمية امرأة ضرب بها المثل في الكذب، فقيل: "أكذب من سجاح" ورغم ذلك اتبعها الناس، حتى ذهبت إلى مسيلمة وعقدت حلفا معه وتزوجته وتشاركت معه في الكذب على الناس، وقصصها مشهورة معروفة في كتب الأدب والتاريخ وسرد هذه القصص كما قلنا يعد تكرارا، وتكفي هنا الإشارة إليه لتحليل هذه الشخصية وكيف اتبعها قومها.في البداية نلاحظ أن التكوين المعرفي لسجاح يساعدها على أن تتصدر المشهد الاجتماعي لبني تميم، فهي امرأة نصرانية تعرف القراءة والكتابة في زمن تكثر فيه الأمية ومعرفة امرأة في ذلك الزمن بالقراءة والكتابة يعد أمرا مميزا، بالإضافة إلى أنها كانت كثيرة الأسجاع، ومن ثم فهي صاحبة لسان ومنطق يحلو للناس أن يستمعوا له والأسجاع تمتع الأسماع.كما تروي بعض كتب التاريخ أن سجاح كانت جميلة وإنما اتبعها قومها لجمالها.إذا فنحن أمام شخصية جاذبة في نفسها لمجتمع لا يزال يعاني من آثار الجاهلية، وهي شخصية قادرة على أن تقنع بكلامها حتى لو كان كذبا، وهذا الإقناع أهَّلها لقيادة قومها بشكل جعلها تتجرأ على أن تذهب بقومها وقد جيشتهم بأعداد كبيرة لغزو مكة والمدينة ومحاربة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم أدركت صعوبة ذلك فيما بعد.أما قومها فليسوا من عامة الناس ولكن كان منهم الشعراء مثل متمم بن نويرة وعطارد بن حاجب وجماعة من سادة أمراء بني تميم على حد تعبير ابن كثير.إذا فهي شخصية ليست سهلة، فجاذبيتها طغت على هؤلاء الأمراء، لكن لماذا لم يستطع أحد أن يؤثر فيها ويتزوجها، ونجح في ذلك مسيلمة الكذاب؟!والجواب عندي أن بينها وبين مسيلمة تشابها في التكوين المعرفي والديني، فكلاهما تربى في الكنيسة، وكلاهما يعرف القراءة والكتابة، كما أنهما يجيدان الأسجاع وإمتاع الأسماع، ومسيلمة نجح في بني حنيفة في تجييش عدد كبير.لقد همت هذه الشخصية الطموحة بغزو سيدنا أبي بكر ولكنها عرفت صعوبة مهمتها فعزمت على غزو مسيلمة الكذاب، ولكن مسيلمة أيقن أنها قوية بقومها، فأراد أن يأخذها في صفه للحرب الكبرى بين المسلمين، يقول ابن كثير في البداية والنهاية: " فعمدوا لحرب مسيلمة، فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلاده، وذلك أنه مشغول بمقاتلة ثمامة بن أثال، وقد ساعده عكرمة ابن أبي جهل بجنود المسلمين"وكان اللقاء الأول بينهما جذابا لكليهما، فهي رأت فيه توافقا أخلاقيا ومعرفيا تحبه، فهو مثلها كذاب، وهي تعلم ذلك، لكن لغة المصالح ستجعل كلا منهما يقبل بكذب الآخر يقول ابن كثير: "بعث إليها يستأمنها، ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض التي كانت لقريش لو عدلت، فقد رده الله عليك فحباك به، وراسلها ليجتمع بها في طائفة من قومه فركب إليها في أربعين من قومه، وجاء إليها فاجتمعا في خيمة فلما خلا بها وعرض عليها ما عرض من نصف الأرض قبلت ذلك".أما اللقاء الذي تم بينهما وما فيه من حكايات لا ندري مدى صدقها، وقصة توبتها وووفاتها في عهد معاوية بن أبي سفيان وتتبع كذبها فهذا له حديث الغد إن شاء الله.