17 سبتمبر 2025
تسجيلتباينت الآراء حول الدعوة السعودية لخفض أعداد الحجاج لموسم هذا العام بين القبول والرفض، بل ذهبت بعض الجهات إلى تسييس تلك الدعوة وربطها بالأوضاع الراهنة في المنطقة العربية, ولتلك الحالة أسلوبها في الفهم وتحميل الأحداث ما لا تحتمل وإلا كيف يفسرون مشاهد العمل في مكونات الحرم المكي الشريف الماثلة للعيان في كل صلاة، حيث تحولت باحات الحرم وأروقته إلى ورشة عمل ناشطة لتوسعة صحن المطاف لاستيعاب المزيد من أعداد الحجاج والمعتمرين ضمن جملة المشاريع المتوالية التي تتبناها الحكومة السعودية منذ توليها شرف مهمة خدمة الحرمين الشريفين وعموم المشاعر المقدسة وتنفق عليها المبالغ الضخمة سنوياً تحقيقاً لراحة الحجاج وسلامتهم في جهود تحولت معها معالم المدينتين المقدستين إلى مدن ذات سمات استيعاب قصوى بجملة تجهيزات تحقق الراحة وتوفر أجواء أداء المناسك بيسر وسهولة وبتنظيم يضمن عدم مضايقة الحجاج والمعتمرين أو الإخلال بمناسكهم ولتكون رحلة حجهم مفعمة بالراحة واليسر، لا تشوبها مظاهر التعب أو الإخلال. فأعمال المرحلة الأولى لتوسعة صحن المطاف والجاري العمل فيها على مدار الساعة حالياً ستستوعب 150 ألف طائف في الساعة وهو حجم استيعاب قياسي, لذلك كانت الدعوة السعودية لخفض أعداد الحجاج من الداخل والخارج بنسبة 50 في المائة و20 في المائة على التوالي هي دعوة واضحة ومبكرة لا يمكن تفسيرها أو فهمها سوى السعي للتنظيم بما يتوافق مع حجم الاستيعاب الحالي في فترة التوسعة للحرم المكي وعموم المشاعر. وكما تتباين الآراء بعد كل موسم حول آلية تنظيم حركة العدد الضخم والمتزايد سنوياً من الحجاج والذي يفوق الثلاثة ملايين يفدون من كل أصقاع العالم بثقافات مختلفة ولغات مختلفة وفي وقت محدد وأماكن محدودة أيضاً حتى في استيعابها, فهناك من يتحدث بالرضا والتقدير للحكومة السعودية وهناك من يوجه النقد واللوم للسلطات دون أن يتكلف مجرد البحث عن حجم الجهد المبذول والذي توظف له المملكة كل طاقاتها بداية من القنصليات السعودية في الخارج والتعاون مع بعثات الحج ومنظميه وتهيئة كل المرافق والخدمات، حتى أن الملك عبد الله بن عبد العزيز يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين تشرفاً بالمهمة واستمرارية أدائها. لذلك يجب التعاطي مع هذه الدعوة بمهنية وحرص ودون اللجوء إلى التأويل العاطفي السلبي، بل بمسؤولية الحرص العام من عموم المسلمين على سلامة الحجاج وسهولة حجهم، حيث لا تزال جملة مشاريع توسعة وإعمار مناسك الحج مستمرة, ومثلما حققت توسعة المرجم في مشعر منى وتعدد أدواره اليسر والسهولة وانتفاء مظاهر التزاحم الشديدة التي كانت تفضي إلى صور سلبية وإضرار بالحجاج فتبدلت الصورة إلى ما هو أيسر الآن. كما أن العمل مستمر في مشاريع أخرى، كقطار الحرمين وغيرها, كذلك يلاحظ أن أعدادا ضخمة من الحجاج تكرر الحج كل عام محدثة تزاحماً وتضييقاً على الحجاج الأولى بأداء فريضتهم لأول مرة, فالحج ليس رحلة سياحية على كل حال, فهو ركن من أركان دين الإسلام الخمسة، بل يقترن أداؤه بالاستطاعة مرة في العمر كتكليف شرعي يتمم إسلام المرء "من استطاع إليه سبيلا"، ولمفهوم الاستطاعة هنا محددات شرعية تتصل بالقدرة الجسمانية لقضاء المناسك وكذلك القدرة المالية, وهو رحلة يرتبط نيل مرادها من غفران الذنوب وعودة الحاج إلى أهله كيوم ولدته أمه أن يخلو حجه من الرفث والفسوق كقوله تعالى (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)، ويجمع المفسرون على أن الفسوق هنا يعني جملة المعاصي المحرمة بالكلية، بل توجب أشهر الحج وهي حرمة لا يتم الحج إلا بنبذها والابتعاد عنها كذلك الجدال بأشكاله من المخاصمة والمنازعة والمساببة فتلك من آداب الحج التي يحفز عليها العدد المتوافق مع حجم استيعاب المكان, لذلك مسؤولية تعميم الفهم للدعوة السعودية مسؤولية الجميع من مؤسسات ودعاة ومفكرين وكتاب, نسأل الله الأجر للجميع.