14 سبتمبر 2025

تسجيل

تفجير لبنان من بوابة المخيمات الفلسطينية

23 يونيو 2012

العمل على تفجير الوضع الأمني في لبنان لم ينته، كما أن أدواته لم تستنفد كلياً.. الاضطرابات المتنقلة، وتحديداً في الشمال لم تنجح في انفلات الوضع الأمني، ليصبح حالة ثابتة في هذا التبدل السريع الذي تمرّ به المنطقة.. تفجير طرابلس عبر استحضار الخلاف المذهبي والثأرية التاريخية بين حيّي باب التبانة وجبل محسن لم ينجح في بقاء هذا الاشتعال قائماً، فضلاً عن تمدده لبقية أحياء طرابلس، ومنها طولاً وعرضاً في ربوع لبنان.. لم تكن الحكومة اللبنانية هي الوحيدة التي رفعت شعار النأي بالنفس عن الأحداث التي تمرّ بها سوريا، بل نجح الفلسطينيون في المخيمات الاثني عشر في لبنان، والتي يقطنها ما يربو على أربعمائة ألف فلسطيني، في النأي بأنفسهم عن الصراع الداخلي الذي تعيشه الطوائف والأحزاب اللبنانية، والذي هو صدى ارتدادات خاطفة وسريعة للزلزال الذي يضرب سوريا.. ربما سياسة النأي بالنفس لم تعجب من يعملون على خط التفجير في لبنان، لا سيما أن الورقة الفلسطينية ورقة رابحة بكل المقاييس لمن يريد إشعال الحريق، وعند الفلسطينيين من الملاحظات والانتقادات والاحتقانات تجاه المؤسسات الأمنية اللبنانية ما يكفي حتى تندفع غيظاً في هذا المخطط.. ما حصل في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان، الجمعة الفائت لم يكن أمراً عرضياً، على الأقل، إذا ما استندنا إلى الروايتين اللتين وردتا على لسان المؤسسة العسكرية من ناحية، وتلك التي وردت على لسان الفصائل الفلسطينية من ناحية أخرى. فبيان المؤسسة العسكرية أكد أن "متضررين ومندسين" ساءهم التفاهمات التي توصل إليها الجيش اللبناني مع أهالي المخيم لتخفيف الطوق الأمني وإجراءات الدخول والخروج المفروضة على المخيم منذ أحداث فتح الإسلام في العام 2007، قبل عدة أيام، فعمدوا إلى توتير الأجواء بين الجيش وأهل المخيم عبر التحريض، مما أدى إلى وقوع الاشتباكات التي أودت بحياة شاب من المخيم، وجرح العشرات من الطرفين ، في حين جاءت رواية الفصائل الفلسطينية تحمل المؤسسة العسكرية كامل المسؤولية عن الأحداث وتطالبها بالكشف عن هؤلاء "المندسين والمتضررين" الذي تتحدث عنهم. والمتمعن ببيان الفصائل، وتصريحات قاداتها، يجد أن الفلسطينيين يعتقدون أن أفرادا داخل المؤسسة العسكرية غير منضبطين، ربما يمارسون نوعاً من العنصرية تجاه الفلسطينيين. والمراهنون على تمدد الحريق انطلاقاً من المخيمات الفلسطينية كانوا صائبين، إذ لم تمض ساعات قليلة على اندلاع المواجهات في مخيم نهر البارد شمالاً، حتى وصلت أصداؤها إلى مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا، جنوب العاصمة بيروت. فسقط قتيل وعدد من الجرحى إلا أن الروايات حول أسباب ومقتل أحد أفراد مخيم عين الحلوة كان أكثر وضوحاً في دخول أطراف من خارج أهالي المخيم والجيش اللبناني بهدف تحريض الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة على المؤسسة العسكرية لأسباب وغايات وأجندات لا تخدم أحدا في لبنان. ولولا حنكة القيادة العسكرية من ناحية ورباطة جأش الفصائل الفلسطينية التي تعض على الجرح من ناحية أخرى لكادت الأمور أن تنفلت في المخيمات وخارجها. والتجربة الفلسطينية خلال الحرب الأهلية ثرية، حيث كان أبو عمار لاعباً أساسيا في الحرب الداخلية وأبعادها الإقليمية، وإنّ زج المخيمات من جديد في صراع من هذا النوع قطعاً سيخطف لبنان لعقود قادمة على غرار ما مرّ به في الثمانينيات من القرن الماضي. تعلّم الفلسطينيون في لبنان ، رغم المرارة والظلم المجحف بحقهم والعنصرية الممارسة تجاههم من إخوانهم اللبنانيين، ألا يكرروا تجربة أبو عمار في لبنان. وقد أتتهم الفرصة أكثر من مرة، على الأقل، من أجل تحسين تفاوضهم مع الحكومة اللبنانية حول حقوقهم السياسية والاجتماعية إلا أنهم لم يفعلوا.. ومما يذكر في هذا المجال، أن الفصائل رغم تناحرها في الداخل الفلسطيني، واختلافها الشديد لا سيما بين حركتي فتح وحماس، إلا أنها في لبنان تكاد متفقة ومنسقة فيما بينها لما فيه مصلحة الفلسطيني أيا كان انتماؤه.. المطلوب لبنانياً وقومياً أن تعيد الحكومة تفعيل الحوار اللبناني الفلسطيني لتطمين الجميع ولسحب فتائل التشعيل التي تكاد تشتعل من تلقاء نفسها.