17 سبتمبر 2025
تسجيليبدو أن خسارة المراهنين على ثبات مؤسسة الحكم السعودية مستمرة. فبعد كل حالة من التغيير أو الإحلال بين رموز الحكم تؤول طموحات وتطلعات أولئك المشككين جماعات وأفراد إلى مالا يشتهون لمسير هذه البلاد الممتدة من البحر إلى البحر وتختزن أرضها ربع الاحتياطي العالمي المقدر من النفط إضافة إلى احتضانها لقبلة المسلمين وقبر النبي الكريم ومسجده وجاء تأسيسها في ظروف عالمية صعبة وحاجة محلية ملحة إلى اللحمة والأمن وتأسيس مقومات الحياة والتي تبناها الملك عبدالعزيز عند تأسيسه للمملكة وجهاده المتواصل منذ فتح العاصمة الرياض عام 1319هـ من أجل ضم أجزائها من الإحساء وعسير وحائل والحجاز وغيرها . ومع وفاة الملك عبدالعزيز يرحمه الله وأبناءه الملوك ممن تولوا الحكم من بعده كانت نفس نبرة الشك في استمرارية البلاد تتداول بين من أزعجهم قيام هذا الكيان بحجمه ومقدراته وأن الواقع أسقط في أيديهم عموماً تلك الطموحات التي لم تعرف واقع البلاد ومكونها وعلاقته الوطيدة بعموم الشعب الذي استشعر روح التبدل واكتسب مع قيام الدولة الكثير من المعطيات الأساسية والتي يأتي الأمن في مقدمتها بعد غياب طويل ظهرت خلاله الكثير من المشاكل وصور الخوف والذعر خاصة وأن البلاد بشكلها الجغرافي تعد معبراً لقوافل الحجاج والمعتمرين. فإلى وقتٍ قريب من قيام الدولة السعودية كانت تذكر العديد من القصص والروايات الواقعية تمثل في مجملها غياب الأمن في عموم البلاد. لذلك كان الأمن أبرز مقومات الدولة وكان الملك دائماً ما يختار لهذه المهمة الأصلح بين إخوانه في هذا البلد الشاسع المساحة والمتعدد القبائل والمذاهب. أيضاً ويحتفظ الشعب ضمن موروثه بثقافة قبلية وعادات لا تتوافق وروح العصر الحديث ومحدداته إضافة إلى ابتلاء البعض مؤخراً بالانسياق نحو فكر التعصب والتطرف والإرهاب. لذلك كان الوطن يستشعر حجم الخسارة الكبرى في وفاة سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز مؤخراً والذي عُرف كأقدم وزير للداخلية في العالم وصاحبت مراسم تعيين سموه قبل سبعة أشهر خلفاً لسمو الأمير سلطان في منصب ولي العهد الكثير من الروايات التي كانت تحمل التشكيك في القدرة على الاختيار وضمان التوافق على شخص واحد من بين الإخوة من أبناء الملك المؤسس إلا أن الملك عبدالله بحضوره المؤثر بين رموز الأسرة وعموم الشعب كان صاحب القرار الذي وافق التطلع لتمتين المؤسسة الحاكمة ولضمان استمراريتها تماماً كما تكرر الحدث الأسبوع الماضي عندما أصدر الملك عبدالله قراره الثاني خلال عام واحد لاختيار ولي عهده بتعيين سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد خلفاً للأمير نايف والذي لم تدم مدة ولايته للعهد طويلاً. فكان الأمير سلمان هو الأجدر حسبما تحدثت الأوساط المحلية والعالمية إثر خبراته العملية الطويلة وعلاقاته العالمية الواسعة لاسيَّما وهو محور الأسرة باعتباره حاكم الرياض والمتخصص في شؤون أفرادها. فجاء قرار الملك متوافقاً مع هذه الرؤية لسلامتها أولاً ولما تضمنه من استمرار ودعم للمؤسسة الحاكمة لما يتمتع به سمو الأمير سلمان من حضور وقبول بين العامة. أيضاً في توافقية الأسرة في التعيين والاختيار للمناصب سواء ضمن قرارات الملك أو حين اللجوء إلى هيئة البيعة التي أسسها الملك عبدالله برئاسة الأمير مشعل وعضوية أبناء الملك المؤسس الأحياء أو من يمثلهم في حالة الوفاة والشيء الذي لا يمكن لمتابع عابر معرفته أو تشخيصه بدقه في سلوك الأسرة وهو أن هناك رابطة قوية من الاحترام والتقدير المتبادل من الصغير إلى الكبير حيث إن لترتيب السن بينهم دور كبير في التقدير ويتعلم الأمراء منذ نعومة أظافرهم كيف يتعاملون مع هذا المسلك القدير ويتعلمون أيضا كيفية التعامل في المجالس من حيث الجلوس وكيف يكون مستوى الحديث فيها وكذلك الجلساء ممن يلزم أن يكونوا من ذوي النصح والإرشاد والخبرة لذلك تبدو في مجالس الأسرة الرسمية والخاصة منها بنفس الطابع وهو ما انعكس أيضا على عموم المجالس السعودية. جانب آخر يتعلمه الجميع حتى من غير أبناء الأسرة أن هذا الكيان بذل لأجله الكثير من الجهد والوقت والدماء وضحى الكثيرون من أبناء القبائل وعموم الشعب بأرواحهم حماسة مع فكر الملك عبدالعزيز الذي لم يخذلهم وفقاً لبرهان الواقع المعاش اليوم لذلك يظل الوطن غالياً وعصياً على كل محاولات النيل منه ومن رموزه وتظل مؤسسة الحكم فيه قوية راسخة ومستمرة يتولى فيها الأصلح أمور البلاد وإمامة الأمة. فرحم الله سمو الأمير نايف والذي بوفاته هز مشاعر الجميع في عموم المملكة والخليج. كما أنقل هنا امتنان السعوديين جميعاً من حضور سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ومشاركة سموه أبناء الفقيد وعموم الشعب مصابهم فسموه يرسم دائماً ملامح الوحدة ويجسدها في أعمال إنسانية كبيرة. حفظ الله عموم قادة الخليج وأمدهم بالعون والتوفيق خدمة لأوطانهم ومبادئها.