13 سبتمبر 2025

تسجيل

العالم ليس هو الغرب فقط

23 مايو 2024

الغرب أو الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية، اتفقوا على ألا تقوم حرب عالمية عسكرية ثالثة مرة أخرى، ولا حرب مماثلة بين دول الغرب نفسه، كأحد أبرز أولويات وأهداف المنتصرين، ولأجل ذلك قام الغرب المنتصر بتفصيل نظام دولي وفق رؤيته كمنتصر، لأجل التحكم في مفاصل العالم، وبحيث يبقى هذا النظام بيده لأطول فترة زمنية ممكنة، فوضع نتيجة ذلك أدوات التحكم والسيطرة على الآخرين تكون تحت إشرافه بشكل مباشر، ثم صنع وسائل وأدوات أخرى أقل تأثيراً، وتكون مشاعاً بين الجميع، يستطيع كل من سينتمي لهذا النظام بعد قليل، استخدامها حتى لو لم تؤثر بشكل إيجابي. من ضمن تلك الوسائل والأدوات، هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها ولجانها العديدة المتفرعة عنها. لكن لاحظ أن الأداة الجبارة مثل مجلس الأمن بيد خمس دول بحكم انتصارها في الحرب. هم الآن منذ ظهور النظام الدولي، من يديرون ويستفيدون من قوة المجلس، على رغم أن الوقت طال أكثر من اللازم لإعادة تقييم معايير اختيار الدول دائمة العضوية، وجدوى بقاء امتياز حق النقض أو الفيتو بيدها إلى يوم الناس هذا، وقد خارت قوى بعض أولئك الخمس، وظهرت قوى دولية أخرى في العالم تستحق مثل هذا الامتياز، إن افترضنا جدلاً جدوى الإبقاء عليه. إن العالم أكبر من خمس كما قال وما زال يردد العبارة، السيد رجب طيب أردوغان، الذي طالب في محافل دولية مختلفة بتغيير هذا النظام، لأن العالم تغير ويحتاج إلى نظام دولي جديد يتوافق مع المتغيرات الدولية. فقد أصبح العالم اليوم أكبر وأقوى وأوعى عما كان عليه قبل عقود عدة مضت. إنَّ العالم الذي اتفق على إنشاء هيئة أمم متحدة وفق قوانين ومبادئ معينة، وتحت ضغط الحروب والمآسي التي شهدتها مساحات كبيرة من العالم ضمن جنون الحرب العالمية الثانية، وافق جل هذا العالم نفسه، رغبة أو رهبة، على قرار الأقوياء في تلك الفترة الذين أنشأوا الهيئة الدولية هذه وكياناتها المتنوعة، وهم: الولايات المتحدة، الاتحاد السوفييتي (وورثتها روسيا بعد سقوطها) الصين، فرنسا وبريطانيا. أولئك الخمس اتفقوا فيما بينهم على قرار غير عادل ولا منطقي، لا قديماً ولا حديثاً. قرار منح أنفسهم ميزة حق النقض أو الفيتو، ضد أي قرار أممي يتعارض مع مصالحهم جميعاً أو فرادى!. ربما كان مقبولاً منح امتياز الفيتو لتلك الدول الخمس لدى نسبة لا بأس بها من الدول في تلك الفترة وما بعدها بسنوات، ولكن مع سقوط الإمبراطورية الشيوعية المتمثلة حينذاك في الاتحاد السوفييتي، وانحسار الشمس سريعاً عن بريطانيا العظمى وجارتها فرنسا، وصعود قوى جديدة لها تأثيرها القوي على الأحداث العالمية، أثار الانتباه مجدداً إلى هذا الامتياز غير المنطقي الممنوح لأولئك الخمس. الرئيس التركي أثار هذه المسألة عدة مرات، كما أسلفنا، حتى صار شعاراً يرفعه وينطق به ويدعو إليه في كل محفل دولي. نعم، العالم اليوم صار أكبر من تلك الخمس، أو على أقل تقدير أكبر من بريطانيا وفرنسا وروسيا، باعتبار أن ما كان يميز هذه الدول الثلاث، صارت أخريات اليوم تتميز بها وربما أكبر وأقوى، سواء كانت على مستوى القوة الاقتصادية أم العسكرية أم العلمية والتقنية وغيرها من قوى. هناك دول تستحق أن تدخل منظومة الفيتو، في حال الإبقاء عليها، بحيث لا تكون ميزة الفيتو حكراً على تلك الخمس، بل تدخل خمس قوى أخرى، أو منح التكتلات الكبيرة مثل هذا الحق، وإن كان المنطق السليم العادل، ألا يكون لهذا الامتياز وجود بين الأمم، وإنما تكون علاقات الدول مبنية على مواثيق وعهود واتفاقيات ليست أكثر، فيكون الكل سواسية في مناقشة أي أمر واتخاذ القرار بشأنه، دون أن تضيع الجهود والأوقات والأموال سدى كما الحاصل الآن في أي جهد دولي ينتهي بفيتو أمريكي أو بريطاني أو غيرهما. إن هذا الامتياز غير السوي، أضاع حقوقاً لدول وبشر، وأعان ظلمة ومجرمي حروب وآكلي لحوم بشر، وصار من الأسباب الرئيسية لظلم حاصل في العالم وفساد منتشر. وإن مثل دعوة أردوغان لابد وأن تلقى تأييداً وترويجاً في العالم كله، تتبناه الحكومات المتضررة ومنظمات حقوق البشر، وكافة الهيئات المعنية بمصلحة الإنسان. ما الذي يدعو نظاماً مارقاً محتلاً مثل الكيان الصهيوني إلى الاستخفاف بكل قرارات العالم؟ إنه لا شك هذا النظام الغربي الذي هو من صنع هذا الكيان المسخ ويحميه من كل مساءلة. إن أدوات الأمم المتحدة مثل محكمة العدل أو محكمة الجنايات وغيرهما من كيانات أممية، هي أدوات غير مؤثرة في الواقع العملي، نظراً لافتقارها إلى قوة منفذة تساعد على تجسيد أي قرار على الأرض. القوة الوحيدة الفاعلة الآن هي مجلس الأمن حين يتفق الخمس على أمر ما. ولكن حتى مع فاعلية مجلس الأمن، يمكن أن تأتي أي دولة من القوة والتأثير، وتتجاوز هذه الأداة الأممية، كما تفعل الولايات المتحدة بشكل مستمر، كأبرز دولة تتجاهل كل أنظمة البشر ! وهذا هو بيت القصيد، وهذا ما يدعو دول العالم إلى ضرورة تكثيف جهودها بكل الطرق اللازمة لتغيير هذا النظام الغربي المفروض على مليارات البشر. نظام غير عادل، وإن حاول صانعوه تزيينه وزخرفته، لأن وقائع وأحداثاً كثيرة أثبتت عدم فاعلية هذا النظام، ووجوب تغييره بنظام آخر جديد، يُبنى على أساسات من العدل والمساواة بين الجميع. وهذا أمر قد يبدو بعيد المنال، لكن مع انكشاف النظام الدولي أو الغربي - إن صح التعبير- في كل مأساة وكارثة تحل على البشر، لابد وأن يتجدد الأمل في نظام جديد عادل أو يسعى إلى العدالة قدر الإمكان، على اعتبار أن دوام الحال من المحال، وليس هناك أعدل من نظام الإسلام، نظام رب العالمين (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ).